وبين زميلين من رفاقه بالجامعة أواصر الصداقة والمودة. واتفقا معه في نظرهما إلى الحياة من ناحيتها العابثة الماجنة. فكانت لهم في ظلال الليل متع سعيدة بسامة. ينهلون من خمرين: ريق ورحيق، ويتساقون من كأسين: آونة من فم الإبريق، وأخرى من خلال شفاه وردية في حمرة العقيق، وجعل في هذه الغمرة المجنونة لا يدع واجبا مدرسيا إلا أهمله حتى فوجئ بالفصل من الجامعة بعد رسوبه في اختبار النقل عامين متواليين. وكانت الصدمة عنيفة قوية. والحسرة على ضياع مستقبله الجامعي لذاعة أليمة. وأخذت آماله التي كانت تضيق بها الدنيا تتضاءل وتنكمش حتى وسعتها مدرسة البوليس على كره منه ومضض. . وتخرج في هذه المدرسة ضابطا يختال بنجمته اللامعة ويلقى من التحية ألوانا كلما مر في طريقه بواحد من أولئك الجندالمساكين. . . وعاوده الحنين إلى المرأة غلابا قويا. وأخذت جوارحه تهتف بنداء الجنس فيستجيب لها في جنون وشغفإلى أن وضعت الأقدار في طريقه تلك المرأة التي أنا بسبيل من الحديث عنها الآن.
كان الفصل شتاء، والسماء عابسة يدوي في جوانبها الرعد، مظلمة يلتمع في حواشيها البرق، والليلة باردة الأنفاس، مقرورة النسمات، وكان الفتى على موعد مع رهط من أصدقائه في حفلة غنائية ذهب يشهدها، فاتفق له أن يجتاز في طريقه ميدانا صغيرا من ميادين القاهرة، فلمح على هامش الطريق فتاة تعبث الرياح الغاضبة بثيابها الفضفاضة عبثا منكرا قبيحا، تتململ في وقفتها الضارعة الذليلة. وترعش أوصالها تحت أضواء هزيلة يرسلها على الطريق مصباح باهت شاحب. فعرف أنها طريدة من طرائد الليل قد أتاحتها له الفرص السعيدة في هذه الليلة العصيبة. فمشى إليها جريئا يختال بنجمته اللامعة وسمته الرائع الجميل، وسدد إليها تلك النظرة التي تعرف المرأة وحدها سر ما تنطوي عليه. فأغضت حياء وقد اصطبغ وجهها بلون الورد في زمن الربيع. . واستقل معها عربة إلى مسكنه الخالي إلا من خادم ريفي يتوفر على خدمته والعناية بشأنه. وهناك في تلك الخلوة التي تهيج في المرأة أشجانها المستورة، وتثير عواطفها المكمودة، ترقرق الدمع في مآقيها وجعلت تفضي إليه بودائع قلبها الدامي الجريح في لهجة محزونة تنتزع من أصلب القلوب ألوانا من العطف والإشفاق والرثاء. . . عرف أنها واحدة من تلك الضحايا البريئة التي غلبت على أمرها في خلوة مجنونة عابثة. مأخوذة بمعسول الأماني وبواسم الأحلام. زين