تجري الآن على حدود لحبشة حودث خطيرة، ويكشف الاستعمار الايطالي عن نياته ومطامعه نحو الحبشة شيئاً فشيئاً؛ وقد احتلت الجنود الايطالية بالفعل بعض مواقع ومراكز حبشية على مقربة من حدود السومال الايطالي، وما زالت إيطاليا تحشد قواتها في تلك الانحاء، وترخق الحبشة بمطالبها ودعاويها؛ والحبشة من جانبها تلتمس تدخل عصبة الامم، وتشهدها على هذا الاعتداء، ولكن ماذا عسى أن تفعل عصبة جنيف إزاء خطة مبيتة مدبرة تترقب إيطاليا الفاشستية الفرصة لتنفيذها منذ أعوام؟ ولقد بينا في مقال سابق أدوار هذا النضال الذي يضطرم منذ أواخر القرن الماضي بين الحبشة والاستعمالا الغربي، وكيف أن ايطاليا استاعت في وقت من الاوقات أن تفرض حمايتها على الحبشة بعد أن احتلت مصوع والارتيرية، وكيف استطاعت الحبشة لأعوام قلائل أن تحطم هذا النير الذي حاولت إيطاليا أن تضعه في عنقها، وأن تسحق الجيوش الايطالية في موقعه (عدوه) الشهيرة (سنة ١٨٩٦)، وأن ترغم إيطاليا وأوربا على احترم استقلالها. وسوف تنظر عصبة الأمم في هذا النزاع بعد أيام قلائل، ولكنا نستطيع أن نتنبأ منذ الآن أن العصبة لن تستطيع شيئاً، وأنها كما فشلت في المسألة المنشورية ورد عدوان اليابان عن الصين، ستلقي مثل هذا الفشل في حل النزاع الايطالي الحبشس، وسيكون القول الفصل للقوة المادية، فاذا استطاعت إيطاليا أن تتوغل في الحبشة فسوف تمضي في تنفيذ خطتها المرسومة لغزو الحبشة واحتلالها كلها أو بعضها، ولن ينقذ الحبشة من هذا الخطر على حرياتها واستقلالها سوى الاعتماد على نفسها وما تستطيع أن تتذرع به من وسائل المقاومة والدفاع
وقد كان حرياً ان تلقى هذه الحوادث صداها في مصر وأن تثير فيها أعظم اهتمام: فبين مصر والحبشة علائق تاريخية قديمة، والشعب الحبشس تابع من الوجهة الدينية للكنيسة القبطية المصرية، وبطريرك الحبشة او زعيمها الديني مصري بعينه البطريرك المصري؛ ومن جهة اخرى فان لمصر مصالح خطيرة في الحبشة تتعلق بمياه النيل ومنابعه؛ فالنيل لأزرق الذي يمد النيل بكميات عظيمة من الماء والطمى المخصب ينبع من بحيرة تبسانا