الحبشية التي تقع مستعمرة ارتيرية الايطالية؛ ولايطاليا في هذه المنطقة مطامع اقتصادية كبيرة. والحبشة لا تجهل أهمية تسانا ولا خطورة المصالح الخارجية المتعلقة بمائها؛ وقد بذلت انكلتر في العهد الاخير جهوداً عظيمة لتحصل من الحبشة على امتياز بماء هذه البحيرة حفظاً لمصالحها الاقتصادية في السودان، وخشية أن تنافسها في ذلك دولة أوربية أخرى فتهدد هذه المصالح؛ وكانت الحكومة الحبشية تميل إلى منح هذا الامتياز لشركة أمريكية كبيرة، وقدذهبت بالفعل شوطاً بعيداً في هذا السبيل، وقامت هذه الشركة ببعض الأعمال والاجراءات التمهيدية في منطقة البحيرة، ولكن الحبشة آثرت في النهاية أن تستبقي إشرافها وسيطرتها على البحيرة، ولم تكن جهود السياسة البريطانية بعيدة عن هذا القرار. وتعمل الساسة البريطانية اليوم على أن تضطلع مصر بأعباء النفقات التي تقتضيها المشاريع الخاصة بمنطقة تسانا، وقد بذلت مصر فعلاً مبالغ طائلة في هذا السبيل.
كان يجدربمصر إذن أن تتبع حوادث الحبشة بمنتهى الاهتمام، وأن تقدر جميع الاحتمالات التي تترتب على نجاح إيطاليا في غزو هذه المنطقة، إذا قدر لخطتها النجاح؛ ولكن مصر ترغم بكل أسف على أن تقف من هذه الحوادث موقف المتفرج الذي لايعنيه من الأمر شيء؛ والسياسة الانكليزية تأخذ بيدها كل الامر سواء باسمها أو بأسم مصر؛ والسياسة الانكليزية تحرص على مصالحها في السودان قبل كل شيء. وقد كان التوازن الانكليزي الايطالي في تلك المنطقة يحول دون وقوع تطورات جديدة؛ ولكن الظاهر أن إيطاليا الفاشستة استطاعت أن تتفاهم مع السياسة البريطانية، وأن تقنعها بوجوب التسليم بمطامع إيطاليا وتفوق مصالحها في المنطقة الحبشية، وهي مطامع نوهت باحترامها المعاهدة الثلاثية التي عقدت في سنة ١٩٠٦ بين إيطاليا وانكلترا وفرنسا؛ وإيطاليا تقوم الآن بتنفيذ خطة مقررة لا ترى فيها انكلترا أو فرنسا ما يدعو الى الاعتراض، بل لقد تقدمت السياسة البريطانية لمعاونة الاستعمار الايطالي على التوسع، فحملت على عقد معاهدة جغبوب، والنزول لايطاليا عن بعض اراضيها، وعادت هذا العام فنزلت لايطاليا باسم مصر عن جزء من واحة العوينات الواقعة في السودان الغربي مما يلي برقة، وها هي الآن تترك ايطاليا حرة في تدبير اعتدائها غبى الاراضي الحبشية، وقد أشرنا في مقال سابق الى أن اهم عامل في وقوف السياسية البريطانية هذا الموقف هو ظهور النفوذ الاقتصادي الياباني