صاحبي شاب رقيق العاطفة، جياش الحس، يلذ له أن يقف منك موقف الناصح، ولكنه إذا فعل سار على نهج لا تكلف فيه حتى لا تملك تلقاء حديثه إلا أن تعيره الأذن الواعية والروح المقبلة. وأنت حبيب إلى نفسه، مقرب إليها، إذا قبلت منه نصحه. وأنت أكثر حبا إلى نفسه وأكثر قربا منها إذا ظهرت أمامه خاليا من التجاريب مقبلا على دنياك إقبال الطفل، إنه إذ ذاك يفرح أن جرب هو ولم يجرب من هو أكبر منه، وأن يقف هو إلى هذا الأكبر موقف الناصح المرشد الذي خبر من الماضي ما يكشف به عن القابل.
لعلي بهذا الوصف أكون قد ألقيت الضوء على عيبه الواحد. فإنك لتراه بعد هذا شفيف الروح، مهذب اللفظ، مرح الدعابة واسع الإطلاع دقيق اللفتة، أما عيبه الذي ذكرت فأمره على يسير. إن صلتي به توثقت حتى لا يزيفها غش أو توهنها مصارحة؛ فتراني إذا نصح ناقشته مقبلا على النقاش في غير ضيق فقد مرن مني على هذا الأمر حتى أصبح بعد لكل نصيحة نقاشا، ولكل حكمة اكتسبها من نثار تجاربه حججا وبراهين وأمثالا. وأنا مع ذلك حبيب إلى نفسه مقرب إليها لا يمل نقاشي ولا أمل نصائحه.
أقبل يوما على مجلسنا تعلو وجهه سمات الجد والرزانة فعرفت أن حالة النصيحة قد أدركته وأنه يريدني على أن أسمع بعضا منها؛ وكم أكون كريما لديه لو سمعتها جميعا. . . عرفت هذا فانتحيت به ناحية وقلت:
- مالك؟
- إسمع، لقد أثبتت تجاربي أن كل الناس أشرار. . وأنه يجب على الإنسان أن يقبل على أصدقائه شاكا في ولائهم، حذرا من شرهم، فليس في الناس صديق، وليس فيهم إلا الخؤون، وإنك إذا توقعت منهم الخير ثم فجئك دكت الواقعة من كيانك مهما تفهمت، أما إذا توقعت الشر ثم طالعك الخير فإن ذلك يفرحك، ولكن حذار مع هذا أن تأمن الجانب وتطمئن فقد يمهد الخير للشر كما يمهد الدفء للحريق. . إبق على شكك وحذرك فالكل شرير.
- حسبك. . حسبك فإنني أرى النوبة قد عادتك، ولكنك في هذه المرة على غير مألوفك من