للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[على هامش النقد]

التناسق الفني في تصوير القرآن

للأستاذ سعيد قطب

قلنا: إن القرآن يرسم صوراً ويعرض مشاهد، فينبغي أن نقول: إن هذه المشاهد وتلك الصور، يتوافر لها أدق مظاهر التناسق الفني في ماء الصورة، وجو المشهد، وتقسيم الأجزاء، وتوزيعها في الرقعة المعروضة.

والذي نعنيه هو:

أولاً: ما يسمى (بوحدة الرسم). وحتى المبتدئون في القواعد يعرفون شيئاً عن هذه الوحدة، فلسنا في حاجة إلى شرحها. ويكفي أن نقول القواعد الأولية للرسم تحتم أن تكون هناك وحدة بين أجزاء الصورة، فلا تتنافر جزيئاتها.

وثانياً: توزيع أجزاء الصورة - بعد تناسبها - على الرقعة بنسب معينة حتى لا يزدحم بعضها بعضا، ولا تفقد تناسقها في مجموعها.

وثالثاً: اللون الذي ترسم به، والتدرج في الظلال، بما يحقق الجو العام المتسق مع الفكرة والموضوع.

والتصوير بالألوان يلاحظ هذا الانسجام، ويقع شيء منه في بعض المشاهد المسرحية والسينمائية المبدعة. والتصوير في القرآن يلاحظ هذا كله، وإن كانت وسيلته الوحيدة هي الألفاظ. وبذلك يسمو الإعجاز فيه على تلك المحاولات.

١ - خذ سورة من السور الصغيرة التي ربما يجسب البعض أنها شبيهة بسجع الكهان أو حكمة السجاع. خذ سورة (الفلق).

فما الجو المراد إطلاقه فيها، إنه جو التعويذة، بما فيه من خفاء وغموض وإبهام، فاسمع:

(قُلْ: أَعوذُ بربِّ الفَلَقْ. من شرِّ ما خَلَق. ومن شرِّ غَاسِق إذا وَقَب. من شرِّ النفّاثات في العُقدَ. ومن شر حاسد إذا حسد).

فما الفلق الذي يستعيذ بربه؟ نختار من معانية الكثيرة معنى الفجر، لأنه أنسب في الاستعاذة به من ظلام ما سيأتي: مما خلق ومن الغاسق، ومن النفاثات، ومن الحاسد، ولأن فيه إبهاما خاصاً سنعلم حكمته بعد قليل.

<<  <  ج:
ص:  >  >>