للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بين الشك والإيمان:]

(شيلر)

للأستاذ خليل هنداوي

حتى في ظلمات الشك التي رانت على قلبي، وفي الغم الذي غشى نفسي، تعلم - يا إلهي - بأنني قد تحريت النور. . . أراني - دائما - أكثر هدوءا. . .!

(شيلر)

بين كل شعراء الأدب الألماني تجد (شيلر) هو أشقى من طغى عليهم الشك. وبرح بهم التشاؤم المعذب.

درج (شيلر) من مهده، يغمره حنان أم هي رمز التقوى ومثال العطف. وأب دعا له حين احتضنه بذراعيه - (ربي! امنح طفلي هدى العقل، واهده السبيل الذي أخطه له) وهكذا كانت مظاهر طفولته محاطة بالإيمان العميق. وقضى الشاعر نشأته الأولى مولعا بالكتب. وهائما في الطبيعة يشيع ما يثور في نفسه من الأهواء الشعرية.

دخل المدرسة وأخذ العلم يطغى على شاعريته وإيمانه، ولكن (شيلر) كره العلم والعلماء، وكان يجد ألذ ساعاته ساعة ينفرد بنفسه ويتلو توراة (لوثر) أو (المسباد) ولكن روح الشك كانت تتسلل إلى نفسه من حيث لا يشعر. وفجأة تيقظت هذه الروح فيه فغدا صاحب شك وقلق - وظل في دوره الأول - بين عاملين يتساجلان الغلبة عليه، فطورا يقهر القلب المتردد روحه الصافية. وتارة تغلب روحه الصافية قلبه المتردد: فينشد متألما

(حتى في ظلمات الشك التي رانت على قلبي، وفي الغم الذي غشى نفسي: علمت - يا إلهي - بأنني قد تحريت النور.

أنت أردت لي هذه الأيام السوداء، التي تبرز فيها الأوهام المغرية من ناحية، ويبرز الإنكار - من ناحية أخرى - ضاحكا ضحكة الساخر

هانذا - تجأر فوق رأسي العاصفة! والقصبة سترتجف إذا لم ترحمني يا الهي!

احرس قلبي في هذا الهدوء، في هذا الهدوء المقدس وأنا سائر إلى الحقيقة. فالشمس لا تعكس أشعتها في اللجة الثائرة، ولا تبسط شعاعها إلا على صفحة الماء الرقراق.

<<  <  ج:
ص:  >  >>