إنني اسمع صلصلة الناقوس الذي يهتف بي إلى الهيكل: فأغدو إليه حاملا إيماني. . . .
ألا أفتح قلبي لإدراك الحقيقة، حتى أستطيع أن أعانقها، فأغدو سعيدا.)
في هذه المقطوعة الصغيرة يظهر لنا شك الشاعر، ومرارة قلبه، وتوقان روحه إلى الحقيقة، والطريق التي انتقاها ليستعيد الهدوء والإيمان. ولكن الله لم يجاور قلب شيللر كثيرا. لأن الشك تسرب إليه ظافراً وملك عليه نفسه ولما يتجاوز الثمانية عشر ربيعا، فعاد شاعر هذه المقطوعة الطافحة بالإيمان شاعراً شاكاً ما علمنا سر انقلابه! ولكن هل كانت المذاهب الفلسفية إلا تاريخ قلب الإنسان؟ وهل كان الشك والجمود والسلب إلا ثورة من ثورات النفس المتعطشة إلى معرفة المجهول. وإذا بشيللر يقول - متحديا الدين بلهجة من يؤله الطبيعة (إن الإله الواحد إنما هو كل الكائنات. الطبيعة والآلهة هما قوتان متساويتان. الطبيعة هي اله يتعدد ويتقسم إلى ما نهاية) وفي الاجتماع، يؤمن بمذهب (روسو) القائل: إن الإنسان يولد صالحا ولكن المجتمع هو الذي يفسده.
- ٢ -
ليدرس الشاعر، نفسه وقلبه وعواطفه في رسائله وفي قصائده، لأنها هي صورة نفسه - إذا توخينا صورتها الصادقة.
إن شقاء شيللر لم يكن شقاء شعريا خياليا فحسب، بل كان شقاء مصدره نفسه التي غشيها منه ما غشيها! فهو في بعض أحيانها يتنازعه عاملان: ثورة حواسه، وتعنيف ضميره له تعنيفا أراد أن يحطمه الشاعر فعجز عن تحطيمه، ويتمثل أنينه هذا في مقطوعة (القتال)
(لا لا. . . سوف لا أتحمل طويلا هذا القتال. . القتال الطاحن الذي يقوم به الواجب، فإذا لم تقدري على كبح أهواء قلبي أيتها الفضيلة، فلا تطلبي مني التضحية. . . هذا إكليلك ليظل - كل الأيام بعيداً عني. . .
خذيه. . . وذريني وحدي أتلاشى!)
وفي بعض أحيانه قد يجد الشاعر في نفسه جرأة على الفرار، الذي يتجلى فيه الانتصار. فيأوي إلى ملجأ (مانهايم)
(في حالة هم وغم، أكتب لكم - يا أصدقائي - بأنني لم أعد أستطيع البقاء هنا - فأنا خلال اثني عشر يوما أحسست مع نفسي كل مكان داخل نفسي وخارج نفسي، طالباً الخروج من