هذا العالم، فالناس والسماء والأرض كلها غدت عندي قبيحة. أنا هنا فاقد نفسي. . .)
وهناك لحظات نرى وطأة الحاضر والمستقبل والعالم والناس تثقل عليه حتى تحطم قلبه، فيقول يائسا:
إنني عانقت الإنسانية بحرارة وشوق ملتهب ولكن - وآ أسفاه - لم أجد نفسي إلا بين ذراعي كتلة من جليد)
إن النفوس التي نشأت في كنف الله، تجد - عندما تنعتق منه - ما لا نجده غيرها من أصناف الألم، وضروب التوجع، لأن هذا الفراغ الذي كان يملؤه الله ينقلب إلى ظمأ شديد لا يرويه شيء ولا يطفئه شيء.
هذه هي المرحلة الأولى التي قطعها شيللر ومن ورائها مراحل، والآن أصبح يظهر تردده كمذهب في كتابه (رسائل فلسفية من جول إلى روفائيل) فما كان جول إلا الشاعر نفسه، وما كان روفائيل إلا صديقه الشاعر (كرونر). ففي (جول) تجلى نفس فتية ينتابها الشك، وهي لا تستطيع أن تفر من أسفها على إيمان فقدته!
قال:(يا لها من أيام سعيدة! تلك الأيام السمارية، حين كنت أتبع مورد الحياة بعينين مغمضتين، كنت مستسلماً لعواطفي وكنت سعيداً. علمني روفائيل أن أفكر. وهأنذا الآن أكاد أذري دموع الندم على هذا الاستكشاف. أنت سلبتني الإيمان الذي كان يودع الراحة في قرارة نفسي، وأوحيت إلى أن أزدري كل ما كنت أحترمه فكم من أفكار كانت عندي مقدسة فنزعت حكمتك (الحزينة) عنها رواءها. وأذهبت بهاءها.
كلما رأيت الناس وهم يرددون صلاة واحدة بلحن واحد قلت لله هذه الشريعة التي استمسك بها الناس! فبعثت في قلوبهم الراحة والسكون.
عقلك قد أطفأ هيامي النفسي. أنت قلت لي: لا تؤمن إلا بعقلك. ولا مقدس غير الحقيقة، ولا حقيقة إلا ما يتقبله عقلك - وهكذا أطعتك وصرفت عني أبهى أفكاري.
والآن عقلي وحده ظل معي ليكون وحده دليلي يحملني إلى الله. إلى الحقيقة والأبدية. فتعساً لي إذا وجدت ما يخالف تفكيره. أو عراني شك في معرفته، أو غزاه داء تركه مشلولاً)
فروفائيل يمثل أصحاب المذهب العقلي القائلين بأن لا حكم إلا للعقل كما يذكر جول: (أنت قلت لي: لا تقبل شاهداً غير العقل، إذ لا مقدس إلا الحقيقة. والحقيقي هو الشيء الذي