بات العرب في مشارق الأرض ومغاربها في هم مقيم مقعد من خطر الصهيونية بفلسطين، ومن كفر ساسة الإنجليز والأمريكان بالضمير والإنسانية. ولقد حق لهم ذلك فإن في أرث غريزتهم التاريخية - من حيث لا يشعرون - علم ما تكن الصهيونية من قوة على الشر، وعبقرية في تهديم مثل الخير والحق وما تستتبع من شرور آخذ بعضها بحجز بعض، وبعض هذا كاف في تبرير عمهم وفزعهم.
وجميع الباحثين في تاريخ هذا الجرثوم الخبيث يردون نشأته إلى القرن الثامن عشر، لا يرقون إلى ما قبل ذلك؛ فما قول القارئ الكريم إذا عرف أن العرب بلوا بفتك هذا الدار منذ أربعة عشر قرناً؟ وأن عبقريته الهدامة فعلت فيهم فعلها الخبيث وبقوا يعانون آثارها السرطانية في وحدتهم الدينية والقومية حتى يوم الناس هذا
وظاهر أني عينت أعظم مأساتين في تاريخ المسلمين: مقتل عثمان وحرب الجمل، وأكثر المؤرخين يوزعون التبعة بين بعض الزعماء غافلين عن روح الشر وبطل الفتنة، والقليل منهم ممن انتبه إلى عامل الحقيقي جعل له نصيبا ثانويا في تأريث الشر. أما إنا فقد خرجت من يجئ بيقين لا يعدله يقين إلى أنه كان في الفتنتين جميعا عامل أولى واحد هو هذا الصهيوني الأول، وإليك البيان منتزعا من كتاب أعده عن (عائشة والسياسة) بعد ذكر الحوادث المعروفة.
في مأساة عثمان
رأيت من الخير قبل أن أنتقل إلى مآتي السيدة عائشة بعد عثمان أن أنبه إلى سبب هام أعزم إليه تبعه هذه المأساة، مأساة عثمان التي ذهبت ضحيتها وحدة المسلمين فلم يجتمعوا بعدها قط. أودع أيام عثمان مقرراً: أن ما بذكر المؤرخون من التبعات على بعض الصحابة كعلي وطلحة والزبير وعائشة. هو - بعد التمحيص - من التبعات الثانوية. أما أقوى الأسباب التي أرثت الشغب وهاجت الاضطراب وبذرت الشرور وأوقدت الفتنة؛ فهو