مؤامرة واسعة منظمة محكمة، سهر عليها أبالسة خبيرون، وسددوا خطاها وتعهدها في جميع الأقطار حتى آتت ثمرها. ولم تلق هذه المؤامرة من عامة المؤرخين ما تستحق من التوضيح والاهتمام
وأنا أجزم أن الأسباب التي يذكرونها كلها، والتبعات التي يوزعونها بين من ذكرت ومن لم أذكر. . . لن تقوى مجتمعه على أن تسامي هذا السبب الهام الذي أشرت إليه؛ بل أجزم أنها جميعاً عناصر (ثانوية) لم تكن لتنتج شيئاً لولا هذا الجو الذي هيأه إبليس هذه المؤامرة عبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء. وأبعد من هذا، أني أومن أشد الإيمان بأنه لو لم يسكن شئ قط من هذه المساعي التي يذكرونها، لكان عمل ابن السوداء وحده كافياً في بلوغ النتيجة المشؤومة نفسها.
عبد الله بن سبأ يهودي من صنعاء أمه سوداء، تظاهر بالإسلام على عهد عثمان، ثم اندفع متنقلا في البلدان الإسلامية باذراً الضلالات والشرور في هذا المجتمع السليم. وهو رجل على غاية الذكاء وصدق الفراسة والنظر البعيد والحيلة الواسعة، والنفاذ إلى نفسية الجماهير، أقطع أنه أحد أبطال جمعية سرية مخيفة غايتها تقويض الدولة الإسلامية والقضاء على الإسلام وأكاد أظن أن هذه الجمعية تعمل (لحساب) دولة أجنبية. هي دولة الروم التي انتزع منها المسلمون لسنوات قريبة قطرين كبيرين واسعين غنيين: مصر والشام
والغريب الذي لم أقض منه عجباً نشاط هذا الرجل قد اتسع لتعهد ميادين مختلة هي الميدان الديني، والميدان السياسي، والميدان الحربي.
لقد أراد نسف العقيدة الإسلامية من أساسها حين اختلف للمسلمين عقيدتين غريبتين: الرجعة والوصاية. وقد حفظ لنا الطبري بعض نصوص تعاليمه، فمنها:
(العجب ممن يزعم أن عيسى يرجع ويكذب بأن محمداً يرجع وقد قال الله: (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) فمحمد أحق بالرجوع من عيسى، فقبل ذلك منه ووضع لهم الرجعة فذاعت في المجتمع. ثم قال لهم بعد ذلك:(إنه كان ألف نبي، ولكل نبي وصي، وكان علي وصي محمد. . ومحمد خاتم الأنبياء، وعلي خاتم الأوصياء).
ثم أنتقل خطوة بعد هذا التمهيد؛ فجمع بين إفساد الميدان الديني والسياسي في إذاعة قوله: