للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الحضارة المصرية في عهد الدولة القديمة]

بحث للعلامة الأثري اربك بيت

للأستاذ أحمد نجيب هاشم

(تتمة)

ولما كان الكهنة هم أكثر الناس علماً كان منهم الموظفون المسئولون عن الفيضان وعمل الترتيبات اللازمة له فكان بمعابدهم مقاييس لمعرفة زيادة النيل، وكانت بسيطة التكوين، كل منها بئر حلزونية أو مربعة الشكل توجد على مقربة من النهر ومتصلة به فكل ارتفاع أو انخفاض في النهر يصحبه بطبيعة الحال المثل في البئر، وبالبئر أرقام تقيد هذا الارتفاع أو الانخفاض، وبها درجات يستطيع المرء أن ينزل عليها كي يقرأ مستوى المياه الذي وصلت إليه يوماً بعد يوم فيعرف مقدار الزيادة، ولما كان الفيضان يبدأ غالباً حوالي الوقت نفسه كل عام سهل على الكهنة ملاحظة هذه العملية وتدوين أرقامها، وبموازنتها بالأرقام التي قيدوها في السنوات السابقة أمكنهم أن يعرفوا حالة الفيضان المقبل إن كان مرتفعاً أو منخفضاً بالنسبة لسابقه، وبذا كان في استطاعتهم أن يحددوا الوقت الذي تفتح فيه الجسور كي تغمر المياه الأرض كلها فإن كان الفيضان مرتفعاً جداً أرسلوا تحذيراً إلى الناس كي يقيموا السدود، وكانت الحكومة في هذه الساعة تسخر كل الناس في هذه العملية، وكان للفيضان أثر آخر، ذلك أن مياهه بعد أن نغمر الأرض مدة ستة أو سبعة أسابيع كانت تمحو الحدود التي بين أرض الفلاح وزميله أو تغطيها بالطمى، فعمد المصريون إلى مسح الأرض كي يعرف كل فرد مساحة أرضه بالضبط، وبذلك بدءوا علم الهندسة إذ وجدوا في مسح الأرض أضبط مقياس وأنه أفضل من وضع أحجار على الحدود، ولا تزال مشكلة ضبط الحدود موجودة في مصر، فالنيل في أثناء الفيضان يزيد مساحة الأرض الواقعة على حدود الصحراء، ولذا يحاول الفلاحون هناك الانتفاع بهذه الزيادة التي تسمى بطرح البحر بضم جزء منها إلى أملاكهم القليلة، وقد لا تبلغ هذه الزيادة ثلاثين أو ستين سنتيمتراً كل عام ولكنها تزداد على مر السنين، ولذلك يهتم مفتشو الحكومة بحراستها كما كان يفعل زملاؤهم من آلاف السنين

<<  <  ج:
ص:  >  >>