الحفر والرسم: رأينا نواة التقدم الفني في العهد السابق للأسرات إذ وصل الحفر البارز درجة عالية كما تدل على ذلك مقابض السكاكين العادية والألواح الأردوازية والتماثيل التي وجدت في (قفط) كذلك يرينا لوح (نارمر) الذي يرجع إلى أول الأسرة الأولى كثيراً من قواعد الرسم التي استعملت فيما بعد في الفن المصري، فالرسوم الدقيقة القليلة البروز كانت مناسبة لمملكة تسطع فيها الشمس ويشتد الظل، وقدر للحفر نجاح عظيم في تاريخ مصر، وليس في وسعنا أن نتتبع هذا التطور في الأسرات الثلاث الأولى لقلة الأمثلة وبعد بعضها عن بعض، ولو أن لوح قبر الملك (زت) وقطعاً صغيرة كثيرة من مقابر الملوك في (أبيدوس) تدل على تقدم مضطرد في الأسرتين الأوليين لاسيما من حيث المقدرة الفنية وحسن استعمال المواد، ثم تصل هذه الأمثلة فجأة إلى أجمل مقابر الأسرتين الخامسة والسادسة كمقبرة (تي) في سقارة فهناك نرى الفن المصري في أوج عظمته وتنتقل العين بين الرسوم انتقالاً سهلاً، وهذه هي ميزة الفن في هذه الفترة، ولكن نلاحظ أن قواعد المنظور تكاد تكون معدومة في رسوم هذا العصر ونقوشه، فإذا أريد رسم شيء فوق آخر فما على الفنان سوى أن يضعه فوقه، كذلك كان يرسم الإنسان عادة جانبياً، ولكن مع ذلك نشاهد كتفيه كأنما ينظر إليها من الأمام، وعلى هذه الطريقة استمر المصريون يرسمون نقوشهم طول عهد المملكة القديمة وبالرغم من هذه الغلطات فإن النقوش البارزة على الألواح الخشبية التي عثر عليها في مقبرة حي من الأسرة الثالثة تعد من أجمل القطع الفنية في العالم، فهي تمتاز بما تبعثه في النفس من أفكار لا نهاية لها
النحت: وقد سار النحت جنباً إلى جنب مع الرسوم البارزة، فأخرجت مصر من الأسرة الرابعة إلى السادسة أكبر مقدار أخرجته من التماثيل في تاريخها بعد ذلك. وكان الدافع إلى عمل التماثيل دينياً أكثر منه فنياً إذ اعتقد المصريون أن الشخص بعد موته يعيش في مقبرته عيشة لا تختلف كثيراً عن حياته في الدنيا فاهتموا بتحنيط جثته مخافة أن يلحق هذه المومياء العطب ورأوا ضرورة وجود التمثال حتى تحل فيه الروح، والى هذا الاعتقاد الغريب يرجع الفضل في وجود كثير من أجمل التماثيل في العالم وقد وضع المصريون بعض التماثيل من الخشب ومن الحجر، والقليل منها من الجرانيت والصوان، وصنعوا