للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شخصية أبي شادي في ديوانه (الينبوع)]

بقلم الأديب حسن كامل الصيرفي

يمر صدى المطرب أمام جهاز (الراديو) فيطوف في الأثير بين رياح عاصفة ونسمة هادئة، ويمتزج في ضجيج الحياة وجلبتها ويغرق في صمت البوادي والقفار، حتى يتلقاه جهاز الاستلام فإذا الصوت ناطق بشخصية صاحبه. . كذلك يمر ذهن الشاعر بمحيط الحياة، يسمو إلى الأفلاك فلا يسمع منه أهل الأرض إلا همسات ونجوى يستشعرون فيها حناناً وراحة، ويهبط منها إلى صخب الحياة فيحاول أن يلطف من حدة ذلك الصخب بأنغام قيثارته، ولكن جمود الحياة يستثيره فيترك القيثارة لحظات تراه فيها صاخباً ثائراً متململاً، وهو بين سموه عن الحياة وبين اندماجه فيها محتفظ بشخصيته.

وهناك شعراء يفقدون شخصياتهم في جولاتهم الواحد منهم كالمهرج عليه رقع ليس بين ألوانها وحدة وتناسب. فالاحتفاظ بالشخصية يرجع إلى مؤهلات الشاعر الفنية، فالأول يطوف ويقف ويحلق ويهبط، وهو ينظر إلى العالم كما ينظر المصور إلى اللوحة التي يخط عليها بريشته عارفاً حدودها. أما الآخرون فيسيرون في طريقهم على غير هدى لم يرسموا لأنفسهم غاية.

وبمقدار احتفاظ الشاعر بشخصيته تكون قوته أو ضعفه، فلننظر إذاً في ديوان (الينبوع) ولنبحث عن شخصية أبي شادي، وعن مدى ظهورها أو تلاشيها. ولقد قرأت هذا الديوان فما كانت شخصية ناظمه تنأى عني أو تنمحي من أمامي قد يفقد الشاعر في أثناء حلمه الجميل ذاته ولكنه لن يغيب عن قارئه إذا استطاع أن يمزج روحه بآثاره.

فأبو شادي الذي أعرفه في حياة الناس شعلة فانية يريد أن يجمع العالم في يده فيحيله قطعة فنية في أقصر وقت كما تحيل النظرة الفاتنة دنيا العاشق لحظة قصيرة العمر مسرعة الخطى يتعجل اقتناص ما وراءها، هو نفسه أبو شادي الذي عرفته في حياة الشعر شعلة فانية يشقيها التسامي ويفنيها الكد.

فلأبي شادي شخصية واحدة تظهر دائماً وإن تنوعت ثيابها وتشكلت، فهو محب للحياة متصوف في حبه عالمي الروح، يريد الحياة خالصة سامية، يريدها قطعة فنية، فهو يحاول تهذيبها، أو هو يحاول تلوينها بألوان من السعادة تختلف فتبدو للناس عجباً، وتجتمع عنده

<<  <  ج:
ص:  >  >>