المفروض أن السفارات الأجنبية والمفوضيات السياسية أنها تنقل البلاد التي تمثلها إلى قلب عاصمة الإنجليز. فمن (بلجريف سكوير) تفوح روائح سيام، ومن (بورتلند بليس) تهب نسائم شيلي. ولكن مما يؤسف له أن أغلب هذه السفارات تستبدل بعادات بلادها عادات الأقطار التي أرسلت إليها، وهذه لعمري نقص كبير في التمثيل. أما في المفوضية العربية بلندن فلا تجد مظاهر الحياة الأوربية متسعاً لها.
لقد تعرفت بالشيخ حافظ وهبة وزير المملكة لعربية السعودية المفوض بأحد المؤتمرات التي عقدت بلندن والتي اشتركنا سوية بها. ومعرفتنا هذه أدت إلى توحيد العلاقات الودية بيننا فزالت الحجب وصرنا صديقين حميمين.
ولم تكن البساطة الظاهرة في مقام الشيخ حافظ ولا النكهة الطيبة في القهوة العربية التي يكثر تقديمها لزائريه مما جعلتني أكثر التردد على المفوضية العربية، وإنما شوقي لزيارة المملكة العربية السعودية هو الذي كان يدعوني إلى ذلك. والحقيقة أن طيف بن السعود ملك البادية المخيم على تلك المفوضية كان يجذبني دائماً إلى قاعة الاستقبال في (إيتون بليس)
وعندما طلبت التأشير على جواز سفري أفهمت أن أمر ذلك بيد جلالة الملك وحده. وليس للوزارة الخارجية أو المفوضيات إلا تقديم طلبات الراغبين بزيارة البلاد له، وهو وحده الذي يجيز لهم الدخول للمملكة، وجلالته يسمح لمن يشاء ويرفض من يشاء. ومن حسن حظي أن الشيخ حافظ وهبة كان على أهبة السفر إلى المملكة العربية السعودية فاغتنمت تلك الفرصة ورجوته أن يقدم طلبي بنفسه لجلالة الملك.
وبعد عشرة أسابيع من مغادرة البلاد الإنجليزية دعيت إلى المفوضية العربية وأخبرت بموافقة سيد الجزيرة العربية على زيارتي لبلاده.