للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

من أدباء الجيل!

للأستاذ محمد سعيد العريان

كانت أشعة المصباح ذابلة صفراء ترتعش لكل نسمة تهب؛ وكان الجو عاصفاً، والمطر يلطم زجاج النافذة فينفذ رشاشه من فروجها، ويسيل قطرات على الجدار؛ وفي زاوية من الغرفة كان الفتى النحيل جالساً إلى نضد صغير يكتب. . .

منذ ساعات، والفتى في مجلسه ذاك يستنزل الوحي ويؤلف أشتات المعاني، لا يكاد يحس شيئاً حوله، والناس نيام! يجب أن يفرغ من إعداد هذه الخطبة التي يكتبها قبل الصباح؛ أن هنالك من ينتظر. . . . . .

ودقت الساعة اثنتي عشرة دقة، فرفع الفتى رأسه عن أوراقه ووضع القلم وفي عينيه أثر الجهد والإعياء. . . وارتفق بذراعه على النضد الذي يتخذه خواناً بالنهار ومكتباً بالليل، فسمع له مثل صرير الباب تضربه الريح. . . ودار بعينيه في الغرفة التي تضم كل ما يملك من متاع، ينقل بصره بين البذلة المعلقة بالشجب، والطربوش الملقى على الوسادة، والفراش المشعث منذ غادره في الصباح الباكر؛ ثم زفر زفرة. . . وخرجت من بين الكتب المركومة إلى جانب الحائط دويبة صغيرة تلتمس طريقها إلى الباب في تثاقل وبطء. . . وارتمى إليها نظر الفتى، فابتسم. . . ثم قلب شفته في رثاء: (آه، حتى أنت يا مسكينة. . . تسهرين الليل مثلي في البحث عن القوت!)

ثم عاد إلى مكتبه وأوراقه. . .

وفرغ الفتى من عمله، فأشعل آخر دخينة في علبته. . . ثم أخذ يقرأ لنفسه ما كتب. . .

وأشرق وجهه راضياً، كأنما مسحت على آلامه يد رحيمة؛ ثم هب واقفاً وعلى شفتيه ابتسامة الرضى والسلام، وبسط أوراقه أمام عينيه. . . وعاد يقرأ:

(أيها السادة!. . .)

وخيل إليه في موقفه ذاك، أنه هو ما هو بين الناس، في جمع حاشد تشرئب أعناقهم إليه، فلعب به الزهو واستخفته الكبرياء، واستمر يخطب. . .

(. . . شكراً لكم هذا التقدير الغالي. . . إن أمة تحتفي بأدبائها هذه الحفاوة العظيمة. . . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>