للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[نابليون وخطواته الأولى في سبيل المجد]

للأستاذ عبد المجيد نافع

لا يعرف التاريخ رجلاً اختلف الناس في تقديره والحكم عليه، مثل نابليون بونابرت. كان ولا يزال له أنصار ومعجبون يضعونه في طليعة العظماء الذين أنجبهم العالم، ويسبغون عليه أثواب الفضائل الإنسانية التي ينبغي أن يتحلى بها الرجل العظيم. وكان ولا يزال له خصوم وحاقدون يجردونه من جميع الفضائل، أستغفر الله بل يخرجونه من صفوف الإنسانية ويسلكونه في عداد الوحوش. فإذا كان (تين) يعترف له بالعبقرية الحربية، والقدرة الإدارية، وينادي بأنه صب في قالب لم يصب فيه أحد من قبل في التاريخ الحديث، وأن لا سبيل إلى وجود ضريب له إلا بأن نعود بالذاكرة إلى شخصيات الاسكندر وهانيبال ويوليوس قيصر - بعد أن يعطيك (تين) هذه الصورة الرائعة عن نابليون تراه يسارع إلى إدراجه في عداد الوحوش الخارجة عن دائرة الإنسانية. وإذا كان بعض مؤرخي الإنجليز ينادي بأعلى الصوت وملء الفم أن نابليون كان أعظم قائد حربي، وأعظم رجل إداري عرفه التاريخ، فإن بعض المرضى بمخالفة الإجماع، والمولعين بالآراء الغربية، يجحدون عبقرية نابليون الحربية، ويجترئون على الدعوى بأن جميع المعارك الحربية التي عقد له فيها لواء النصر، إنما يرجع الفضل فيها إلى قواده، بل إلى رجال مغمورين كانوا يعملون تحت رايته، وأن التاريخ هو الذي أضفى عليه ذلك المجد الحربي، حتى جعله أشبه الناس بالشخصيات الخيالية، بل أقرب إلى الأساطير منه إلى الشخصيات التاريخية؛ بل ترى نفراً يمعنون في الأغراب فيزعمون أن نابليون لم يوجد، وأن الأساطير هي التي خلقت تلك الشخصية الخيالية، وصاغت تلك الخرافة النابليونية، وأن شيئاً من التحقيق التاريخي لا يلبث أن يمزق الأستار عن تلك الأوهام العالقة بالأذهان!

ومهما يكن من شيء، فليس في التاريخ شخصية شغلت أذهان الكتاب والباحثين مثل شخصية نابليون. وعلى الرغم من وفرة ما كتب عنه، فإن البحث في تاريخه لم تخلق جدته؛ ذلك بأن حياته العاصفة الحافلة بالعظائم تجمع بين روعة القصص وجلال الحقائق التاريخية.

على أن ذلك الرجل العظيم لم يجد طريق المجد أمامه معبدة، بل اجتاز الصعاب، وتخطى

<<  <  ج:
ص:  >  >>