(قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره، والله لا يهدي القوم الفاسقين)
ما روعتني آية من كتاب الله ما روعتني هذه الآية، وما قرأتها قط إلا ارتعدت فرائصي وخيل إلي أن الأرض تدور بي الفضاء، ذاك لأنها توجب أن يؤثر المؤمنون الله ورسوله والجهاد في سبيله على الآباء والأبناء والعشيرة والأموال والتجارة والمساكن، ولا ترضي منهم أن يؤثروا الله ورسوله والجهاد في سبيله كما يؤثر المرء الدواء المر البشع، بل لا ترضي إلا أن يكون ذلك الإيثار عن رضى ومحبة، فإذا دعا داعي الجهاد ودعا المال والولد والعشيرة والمسكن وجب أن يستجيب المؤمنون لداعي الجهاد عن رضى ومحبة؛ فإن لم يكونوا كذلك فليتربصوا حتى يأتي الله بأمره، وقد أبهم الله هذا الأمر لتذهب النفس في أودية الخوف كل مذهب، والله لا يهدي القوم الفاسقين الذين فسقوا عن أمر الله وانحرفوا عن الطريق القويم.
تكليف صعب شاق، وهو على صعوبته ومشقته الطريق الوحيد إلى العزة والأمن والقوة والسمو، فالأمة التي تؤثر الحق والجهاد في سبيله على ما سواهما هي التي تمهد طريقها إلى المعالي، وتسلك سبيلها إلى العزة القعساء.
أما الأمة التي انتكست فطرتها فآثرت الباطل على الحق، والدعة على الجهاد في سبيله، فأقل ما يصيبها من أنواع العقوبات الضعف والذلة والاستكانة إلى الأقوياء، والاستعباد للمغيرين، يستذلونها ويستخدمونها كما يستخدم الإنسان الحيوان الأعجم، وهذا البلاء الشديد وغيره مما يشمله قوله تعالى:(فتربصوا حتى يأتي الله بأمره).
ولا عجب فالمعالي سبيلها غير معبد، ولها صعداء مطلعها طويل، وهي لا تنال على الدعة والراحة والطمأنينة والبلهنية، إنما تنال بالتعب والنصب والكد وتهذيب النفس وتقوية الخلق والإرادة القوية والعزم الشديد. إنما الذي ينال على الدعة والراحة، الهم الطويل، والحزن