للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بين العلم والأدب]

هل يميت العلم الشعور؟

بقلم محمد روحي فيصل

(العلم يجفف القلب ويميت الشعور)

رأى أملاه على منذ سنوات أحد أساتذتي الأدباء ممن لا بأس بلبه وعقله، ولايتهم في فطنته وبصيرته، ثم سمعته من بعض الشباب الناهض المتأدب وقرأته لغير واحد من كبار الكتاب في مصر والشام والعراق. فإذا الرأي شائع معروف، ثابت الأصول منبسط الفروع يرد أبداً على طرف اللسان وشق القلم، وإذا الناس يخشون العلم ويخافون على قلوبهم ونفوسهم من بأسه وضرره، وإذا هوة سحيقة المنأى بعيدة المستقر تفصل العلم عن الأدب وتباعد بين أسبابهما وأدواتهما، أما أن بعض مصطلحات العلم جاف شديد الجفاف فهذا ما لا يختلف فيه اثنان، وأما أن قوام العلم المنطق والعقل فهذا حق إلى حد ما، وأما أن العلم ذاته يميت الشعور فهذا ما نحب أن نعالجه الآن في جرأة وإخلاص، ونناقشه في روية وهدوء ونحن نغتبط كل الغبطة حين تعنى الصحف والمجلات بالأدب، تعقد له الفصول الطوال وتدعو إلى تفهمه ودراسته، وتبذل لهذا كله قوتها وجهودها ونرجو ان تكون النهضة الأدبية مقدسة مباركة تحفها أشعة من نور وهالة من بهاء، فليس أدل على حياة الأمة من الفن والأدب يعرض عليك، في وضوح ودقة، ميولها وأهواءها وأفكارها وسائر ما يتردد بين قلبها وعقلها من الخواطر والانفعالات. ولكن مفهومه على النحو الصحيح ما يزال مبلبلاً مهلهلاً. ما هو افقه وغايته؟ ما هو مقياسه وحدوده؟ ما صلته بالعلم؟ ما قيمته في عالم المعرفة؟ هذه أسئلة يختلف كتابنا في الإجابة عليها تمام الاختلاف، ويذهبون فيها شتى المذاهب.

أما نزال بسطاء سذجاً تخدعنا البهرجة الكاذبة، والطلاوة العابثة، وتفتننا الألاعيب اللفظية والأناقة الكلامية؟ ألسنا على ثقافتنا وجلال نهضتنا نجهل مقاييس الأدب الصحيحة، وحدود الجودة والرداءة، ومواطن الجمال والدمامة؟ ألسنا نستحسن ما تغثي منه النفس؛ وما هو حقيق بالنبذ والإهمال، ثم نستقبح ما قد يكون في الذروة من البلاغة الجميلة الرائعة؟

ذلك ناشئ عن فساد في الذوق، وجدب في التربة، وكره للعلم وابتعاد عن دراسته وتحصيله، وعندي أن كل إنتاج في الأدب. لم يبدأ بإصلاح هذا الرأي فإنما هو محاولة

<<  <  ج:
ص:  >  >>