للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فاشلة فائلة، ومضيعة للجهود المبذولة في غير طائل ولا نفع.

في الدنيا جمال، وفي الدنيا حقيقة، وفي الدنيا خير. أقانيم ثلاثة تتحد في السبب وتتصل في الجوهر والعرض، أو هي مثل عليا متداخلة متشابكة، ففي الجمال حقيقة، وفي الحقيقة جمال وهكذا. . . فالأدب إنما ينبغي أن يستند إلى شئ من العلوم التجريبية والنفسية والاجتماعية، ويعتمد على ما أثبته العلم في مختلف الميادين والموضوعات، والأديب والعالم إنما يجب ان يتصالحا ويتصاحبا فكلاهما ينظر إلى الطبيعة والحياة من ناحية، هذا يكشف عن حقيقتها وذاك عن جمالها، وهما بعد يتعاونان على بحثها واجتلائها.

فالعلماء مجمعون فيما بينهم على ان غاية العلم إنما ينبغي أن تكون البحث عن الحقيقة الخالدة يتحرونها في كل مظهر من مظاهر الوجود، لا لنتائجها العملية يستخدمونها في حياتهم ومعاشهم، بل حباً في الإطلاع وإشباعا للنفس. هم يطلبون العلم لذات العلم لا لآراب أخر، ويلحون في أن يكون خلواً من الأغراض والمنافع، بريئاً من كل نزعة تطبيقية. يريدون ان يكون العلم نظرياً محضاً يستهدف الحقيقة في كنهها وصفاتها ودلائلها ونسبها. يقول هنري بوانكاريه (إن معرفة الحقيقة يجب أن تكون غاية نهضتنا) ويقول شالي (كلما سما العلم وتجرد عن المقاصد والأغراض في العصر الحاضر كان للأجيال الآتية اكثر خيراً وأعظم نفعاً).

وليست المادة وحدها بالتي يتناولها العلم فيدرسها وإنما هو يبحث أيضا في حياة النفس وأحداثها، فهي في نظره موضوع للتفكير كالمادة سواء بسواء. . فالعلوم على اختلافها إنما هي دروب ما تتشعب وتنحرف إلا لتلتقي في نقطة واحدة هي (الحقيقة). أفتظن إن معرفة هذه الحقيقة التي يبذل العالم لها جهوداً جبارة هي سبيل لتجفيف قلبه، وإطفاء معنى الشعر فيه!! لا! لعمري إن العالم الذي يصل إلى حقيقة من الحقائق إنما تمتلئ نفسه في الحال بهذا السرور وهذه النشوة العلوية، فليس أدعى للذة ولا اكثر مجلبة للسعادة من عرفان الحقيقة!! أذكر عالماً من العلماء - وأظنه الكيميائي داوي قد أخذ نفسه بدراسة (البوتاسيوم) في مخبره، فلما عرف حقيقة الجسم قام حول الطاولة يرقص بهجاً طروباً!! وكان أرخميدس يوماً في الحمام يجري عمليته في سبيكة المعدن ليعرف مقدار الذهب فيها والفضة، حتى إذا لاحت له الحقيقة خرج في شوارع المدينة عارياً حافياً يصيح: وجدتها. ففي خروجه على

<<  <  ج:
ص:  >  >>