للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هذه الحال من العرى والحفاء، وفي صراخه القوي البهيج، صورة جامعة تامة الخطوط والألوان للذهول الشديد الناشئ من اللذة الفجائية الطافرة التي بعثت في قلبه المشاعر والعواطف، وأسالت منه أقصى حدود الفرح والبشر، وطبعت على شفتيه المنفرجتين بسمة حلوة مشرقة!!

ولعل الحقيقة النفسية اكثر الحقائق مدعاة للسرور، فهي التي تهمنا قبل كل شيء لأنها تتصل بنا وتؤلف الجانب الأكبر من حياتنا، فالكشف عنها إنما هو اجتلاء أفق فسيح عجيب، ملؤه الجمال والجلال.

إن العلوم التجريبية تسمو دوماً من الحوادث والواقع إلى القانون. هي تعلو وتعلو في جو التجريد حتى تحصر مظاهر الكون في هذا الرمز الصغير المدعو (قانون). فالقانون علاقة بسيطة تريك هذا النظام الدقيق الذي تتقيد به الطبيعة، وتخضع له من غير شذوذ ولا مصادفة. فنحن حين نقرر سقوط الأجسام كلها نحو مركز الأرض نوضح هذا التجاذب القوي العام الذي يحصل بين الكتلات، نوضح ناحية من نواحي الوجود لها قيمتها ولها أثرها. وهذا التجاذب هو في الحق حلقه من سلسلة النظام الطبيعي. فالقانون هو، على حد تعبير هنري بوانكاريه، أحدث وسيله لجأ إليها العقل البشري للتعبير عن هذا النظام الطبيعي. أفلا يروقك أن تلحظ أن في هذا العالم الذي تعيش بين جوانبه، والذي أنت عنصر كريم من عناصره العديدة - اتساقاً وانسجاماً بديعينً؟!

لقد كان الناس في العصور الخوالي يتطلبون من آلهتهم معجزات خوارق يثبتون بها وجودهم وقدرتهم، وإنما الأعجوبة الرائعة حقاً ألا يكون هناك أية معجزة خارقة، وأن يكون كل شيء في الطبيعة يسير على خط منتظم في حركة منتظمة، لا اعوجاج في الخط ولا تزايد في الحركة!! فنظام الطبيعة الذي يكشف عن العلم شيئاً فشيئاً هو مصدر كل جمال وكل شعر، يبعث في القلب أسمى الشعور وأدق النزوات. . .

لعل الذي يقول بتجفيف العلم للقلب إنما ينظر إلى هذه المجازر البشرية، وإلى تلك الشرور والآثام التي كان العلم فيها عاملاً قوياً لهتك الفضيلة وسفك الدماء. . هذا صحيح، ولكن العلم في ذاته لا يبغي إلا هدفاً شريفاً منزهاً عن كل النزعات البشعة، فهو يصلح للخير ويصلح للشر، ويستخدم لرفع مستوى الإنسانية ويستخدم لتدنيسها، فليس الذنب ذنبه وإنما

<<  <  ج:
ص:  >  >>