إنكم لتعطفون على القريب، وتعبرون عن عطفكم بتزويق الكلام، أما أنا فأقول لكم إن محبتكم للقريب إن هي إلا أنانية مضللة.
إنكم تلجئون للقريب هرباً من أنفسكم، وتريدون أن تعدوا هذا العمل فضيلة، وهل يخفى علي كنه تجردكم هذا؟
إن المخاطب أقدم من المتكلم، فالأول مقدس أما الثاني فلم يقدس بعد. ذلك هو السبب في عطف الإنسان على قريبه.
إن ما أشير عليكم هو أن تنفروا من القريب لا أن تحبوا لتتمكنوا من محبة الإنسان البعيد، فإن ما فوق محبة القريب محبة الإنسان البعيد المنتظر، وإني أضع فوق محبة الإنسان محبة الأشياء والأشباح.
إن الشبح الذي يعدوا أمامك، يا صديقي، لهو أجمل منك، فلماذا لا تعيره لحمك وعظمك؟
لقد استولى الخوف عليكم فلذلك تفزعون إلى القريب. لا قبل لكم باحتمال أنفسكم وما حبكم بالحب الكامل، لذلك أراكم تطمحون إلى إغواء قريبكم لتتمتعوا بضلاله.
أتمنى أن تنفروا من جميع فئات الأقربين ومن جيرتهم أيضاً لتضطروا إلى إيجاد الصديق الذي يطفح قلبه بالإخلاص. إنكم لتدعون شهوداً عندما تريدون أن تغدقوا الثناء على أنفسكم، وإذا ما توصلتم إلى تضليلهم ليحسنوا الظن بكم تبدءون حينئذ بإحسان الظن بأنفسكم.
ما من أحد يرتكب الكذب إلا إذا تكلم ضد ضميره؛ فأصدق الناس من لا ضمير له يحول دون قوله الصدق. على هذه القاعدة تتكلمون عن أنفسكم بين الناس لتضللوهم في حقيقتكم.
يقول المجنون في نفسه:(إن مخالطة الناس تفسد الأخلاق، بل هي تفسد بخاصة من لا خلاق لهم)