للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إن منكم من يهرع إلى جاره ليفتش عن نفسه، ومنكم من يذهب إليه لينساها. أنكم تسيئون محبة أنفسكم، لذلك يصبح انفرادكم بمثابة سجن لكم.

إن الغائبين يؤدون ثمن حبكم للقريب، لأن خمسةً يجتمعون منكم يقضون دائماً على السادس الغائب.

إنني لا احب أعيادكم، إذ رأيتها مليئة بالممثلين، ورأيت النظارة أبرع منهم تمثيلاً.

لا أدعوكم إلى محبة القريب، بل أدعوكم إلى محبة الصديق. فليكن الصديق لكم مظهر حبور الأرض فتحسون بما ينبئكم بالإنسان الكامل.

أوصيكم بالصديق يطفح قلبه إخلاصاً؛ غير أن من يطمح إلى الظفر بمثل هذا القلب يجب عليه ن يكون كالاسفنجة قادراً على تشرب السائل المتدفق. أوصيكم بالصديق الذي يحمل عالماً في نفسه، فهو الصديق المبدع الذي يسعه أن يقدم لكم هذا العالم في كل حين فيعرض عليكم ما مر به من عبر الحياة، فتشهدون كيف يتحول الشر إلى خير وكيف تنتهي الصدف بكم إلى غاياتكم.

ليكن المستقبل والمقاصد البعيدة ما تصبو إليه في يومك، فتحب في صديقك الإنسان الكامل، وتضعه نصب عينيك كغاية لوجودك.

لا أشير عليكم بحبه القريب أيها الأخوة، بل محبة الآتي البعيد.

هكذا تكلم زارا. . .

طرق المبدع:

أتقصد العزلة يا أخي لتجد الطريق التي توصلك إلى مكمن ذاتك؟ أذن، فقف قليلا في ترددك وأصغ إلي:

لقد قال القطيع: (من فتش فقد تاه، ومن انعزل فما أمن العثار).

وأنت قد عشت طويلا بين هذا القطيع، ولسوف يدوي صوته ملياً في داخلك. فإذا قلت له: - لقد تغير ضميري جانحاً عن ضميرك - فلن تكون إلا شاكياً متألماً.

إن اشتراكك بالشعور مع القطيع قد أورثك هذا الألم، وآخر وهج من هذا الضمير المشترك لا يزال يلهب فجيعتك فيجددها. ولكنك ترغب في اتباع هاتف آلامك لأنه يقودك إلى التوغل في ذاتك، فأين برهانك على حقك في المضي إليها وعلى أنك قادر على هذا السفر.

<<  <  ج:
ص:  >  >>