أشرنا في الفصل الأول من هذه الفصول عن نشأة الدرامة الإنجليزية إلى المسرح المتحرك (المتنقل) أو ال ونتكلم في هذا الفصل عن نشأة الفرق التمثيلية، ثم عن المسارح البدائية وأول ما عرفت إنجلترا منها. وقد قدمنا أن رجال الكنيسة هم الذين اضطلعوا أول الأمر بتمثيل الروايات الإنجيلية والدرامات القديسية، وأنهم أصحاب الفضل في تربية الذوق المسرحي وطبعه في وعي الجماهير حتى انتقل زمام التمثيل من أيديهم إلى أيدي رجال النقابات وما قامت به تلك النقابات من مجهود مشكور في تشجيع المؤلفين والممثلين المحترفين، ثم نوهنا بما كان لرجال البلاط الإنجليزي والأمراء والنبلاء وأعيان البلاد من فضل في الأخذ بيد هذا الفن الناشئ ومد رجاله بما يفتقرون إليه من المال الذي لا ينجح مشروع بدونه. ولقد نشأ الاحتراف في المسرح الإنجليزي من ناحيتين، الأولى هي ناحية صبيان الكنائس الذين كان يتألف منهم الخورس أو المنشدون - وقد عنى بتدريب هؤلاء الصبيان على التمثيل منذ نعومة أظفارهم لكي يتفرغوا لأداء الأدوار التمثيلية في مختلف الروايات خصوصاً بعد أن أصبح إقبال الجماهير على مشاهدة التمثيل إقبالاً رائعاً، وما حدث نتيجة لهذا الإقبال من استغلال التمثيل استغلالاً اقتصادياً كانت أول موارده تلك المزادات التي أشرنا إليها سالفاً، والتي كانت تدر على النقابات الأرباح الطائلة. من هنا رؤى انقطاع هؤلاء الصبيان لهذه الحرفة الجديدة التي جمعت بين شرف العمل وشرف الكسب مع صلتها المتينة بالأدب الإنجليزي الذي كان وما يزال نوط العزة على صدر كل أديب في إنجلترا. أما الناحية الثانية التي نشأ عنها الاحتراف فهي تلك النقابات التي تكلمنا عنها آنفاً. هذا، وقد تألفت بعد ذلك جماعات من أولئك المحترفين كانت باكورة (الفرق التمثيلية) في إنجلترا، وكانت كل جماعة تتمتع برعاية أحد النبلاء حتى لا تقع تحت طائلة قانون (المتشردين!) وذلك لكثرة تقلبهم في البلاد، وتنقلهم من قرية إلى أخرى، ولأن الحكومة الإنجليزية لم تكن قد اعترفت بعد اعترافاً رسمياً بهذه الحرفة الجديدة، فكان أفراد الفرقة من هذه الفرق يجيئون ويروحون تحت اسم: (خدم فلان من اللوردات أو الدوقات أو