رجال البلاط!) حتى يكونوا بنجوة من معاكسات رجال الإدارة (!) ومشاكستهم، فهذه فرقة (خدم الأيرل أوف ليستر)، وتلك فرقة (خدم البلاط الملكي)، وهذه فرقة (خدم دوق أوف سومرست)، وهكذا. . . والحقيقة أنه لم تكن ثمة أية علاقة بين هذا الدوق أو ذاك الأيرل، وبين الفرقة التي انتحلت لنفسها رعايته انتحالا. ولقد كان المسرح الأول الذي تؤدي فيه الدرامة، هو إما بهو من أبهاء البلاط وإما رواق من أروقة قصور الأمراء أو النبلاء أو عظماء الشعب، فإن لم يوجد هذا أو ذاك ففي بهو من أبهاء الفنادق، أو في أحد أروقة جامعتي أوكسفورد وكمبردج. على أن أبهاء الفنادق كانت أحفل الجميع بالتمثيل المنتظم المستديم - في جميع أيام الأعياد بالطبع - لأنها لم تكن أبنية خاصة كقصور الملوك أو الأمراء مثلاً، ولذا كانت أقرب إلى الارتياد الحر وأيسر إلى أفراد الشعب من غيرها. وكانت فنادق المدينة تبنى كلها في موضع واحد منها حول ميدان، أو ساحة كبيرة تنتظر فيها العربات والدواب، وما إلى ذلك من وسائل النقل والحمل؛ فكانت شرفة الفندق الأوسط تستعمل مسرحاً، ويقف النظارة من أفراد الشعب في الساحة أو الباحة أو الميدان. أما السفر من نزال الفنادق فكانوا أسعد حالاً؛ إذ كانوا يجلسون في عظمة وإدلال وأبهة في شرفات غرفهم فوق الأرائك والكراسي الفخمة، حيث يطوف عليهم الخدم بالأطايب والأشربات. ولم تكن المناظر المسرحية قد عرفت بعد، بل كانت تحل محلها (سبورة)! يكتب عليها بالخط الكبير اسم المنظر الذي يجب أن يتوهمه النظارة توهما، فيكتب مثلاً:(هذه قلعة جلوم!) أو (هنا غابة آردن!) وهكذا. . .
أما كيف أنشئ المسرح الأول فلذلك سبب عجيب مضحك في آن معاً. . . ويجب قبل إيراده الرجوع قليلاً إلى التاريخ الاجتماعي لإنجلترا، وإلى هذه العصور التي كانت (مسز جراندي!) رمز الحفاظ والتمسك بأهداب التقليد والآداب المرعية تتحكم في المجتمع البريطاني تحكما جباراً لا يسهل الفكاك منه. . . ويجب كذلك أن ننذكر ذلك الروح الطهرى الذي كان يسود الحياة في المدن الإنجليزية عامة، ولندن - أم القرى! - على وجه الخصوص. . . ذلك الروح المتزمت الرجعي الذي كان يضيف التمثيل إلى شعبذات المهرجين ومساخر الحواة وأكلة الثعابين ومروضي الوحوش ومراقصي الدببة والقرود ومصارعي الثيران، ومن إلى هؤلاء جميعاً من سائر البهاليل (!!). . . هذا الروح الطهرى