لما نشرت الصحف أن الأستاذ عباس محمود العقاد قد أجمع النية على وضع كتاب عن (عبقرية عمر) قلنا إنها آية جديدة على بعد إدراكه وسعة عقله ما دام هو بسبيل الكتابة عن العبقرية الإسلامية، فانه ليس أحرى بالدرس والتأريخ بعد رسول الله صلوات الله عليه من عمر. ذلك بأن التأريخ الإسلامي لم يشهد من العدل والحزم وحكمة السياسة والقيام على أمور الرعية بالنصفة والمعدلة مثل ما شهد في عهده، حتى لقد كانت أيامه مضرب المثل الصالح في العدل والإصلاح على مدى التاريخ كله. ولقد اعتز به الإسلام من أول يوم أسلم فيه وظل عزيزاً به طول حياته، ولم يكد ينقلب إلى ربه حتى انقلبت الأحوال وتبدلت الأمور وانبعث بنو أمية بما كان جاثماً في صدورهم من الحقد والشنآن على بني هاشم، فأحاطوا بعثمان واستحوذوا على الملك، وقام الأمر منذ يومئذ على قوة العصبية والغلب، وتصدع البناء الإسلامي الذي كان قد أقيم على الشورى والعدل. وكذلك أخذ داء التفرق الديني واليأس يدب في جسم الأمة الإسلامية حتى أنهك قواها وأذهب ريحها. ولقد صدق علي في قوله يوم موته:(إن موت عمر ثلمة في الإسلام لا ترتق إلى يوم القيامة)
وثم أمر آخر يوجب تقديم هذا الرجل في التاريخ على غيره قد بينه الأستاذ المؤلف في أصدق عبارة فقال:(إن دراسة عمر غنيمة لكل علم متصل بالحياة الإنسانية كعلم الأخلاق وعلم الاجتماع وعلم السياسة، ولم تقتصر مزايا هذه الدراسة على علم النفس وكفى)
ولئن كان مؤلفنا الكبير قد عاجله التوفيق في وضع عمر في مكانه اللائق به في التاريخ، فإنه قد أحسن غاية الإحسان في إنه لم يتخذ في كتابه سبيل من كتب قبله فقال:
(وكتابي هذا ليس بسيرة لعمر ولا بتاريخ لعصره على نمط التواريخ التي تقصد بها الحوادث والأنباء، ولكنه وصف له ودراسة لأطواره ودلالة على خصائص عظمته، واستفادة من هذه الخصائص لعلم النفس وعلم الأخلاق وحقائق الحياة)