للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[قاسم أمين]

أول ديسمبر سنة ١٨٦٣ـ٢٣ أبريل سنة ١٩٠٨

بمناسبة ذكراه السنوية

في مثل هذا اليوم من عام ثمانية وتسعمائة ألف انتقل إلى دار البقاء المصلح العظيم قاسم أمين بعد أن قضى في هذه الحياة أربعا وأربعين سنة يستعد للكمال النفسي الذي تهيأ له بفطرته، ويدعو إلى الكمال الإنساني الذي اتجه إليه بفكرته. وكانت الفترة التي نشأ فيها بعد هزيمة المصريين وانتصار المحتلين أشبه شيء بالفترة التي تأخذ من أواخر الشتاء وأوائل الربيع، فيها الخدر والبرد والجدب، ولكن فيها أطرافا من الحس والدفء والخصوبة؛ فالشعب كان يعاني من عواقب الأزمان السود التي أتت عليه، ومن رواسب الأجناس السوء التي عاثت فيه، ألونا من الجهل والذل والفوضى جعلته يستكين لعوامل الفساد في الخلق والعقيدة والثقافة والمجتمع. فالحكم أهواء وشيع، والدين أوهام وبدع، والعلم قشور ومسخ، الأدب تقليد وزخرف، والرجال آلات للعمل والإنتاج، والنساء إماء للخدمة والمتاع، والسلطان المحتل يصرّف أمورنا على مشيئته، والمال الأجنبي يستغل مواردنا لمنفعته. وكانت البراعم التي بكرت إليها حياة الربيع فتفتحت عن الشعور والوعي تتمثل في الرواد الأولين: جمال الدين، محمد عبده، ومصطفى كامل، وسعد زغلول، وقاسم أمين، ولطفي السيد، وعبد العزيز فهمي، فشعروا أول الناس بالأدواء التي قعدت بالأمة عن النهوض، فجاهد كل منهم وقاد في الميدان الذي خلق له وظهر فيه.

ومما عمق فيهم هذا الشعور وقواه، نبوغ أكثرهم في القانون والأدب، وتفوق بعضهم في الدين والفلسفة، وأخذهم بنصبه من ثقافة الغرب، واتصالهم بأقطاب الفكر في فرنسا وإنجلترا، ووقوفهم على تلك الحملة المنكرة التي شنها أبالسة الاستعمار على مصر والعرب وإسلام، فنهض جمال الدين لإرنست رينان، ومحمد عبده لهانوتو، وقاسم أمين لدوق داركور، فدافعوا بالحجج الملزمة ما لفقوا من أباطيل أنكروا من حقائق. فلما بلغوا المآخذ التي أخذها الخصوم علينا بالحق، حملهم الإباء القومي على أن يأخذوا عليهم أشباهها في مجتمعاتهم ومعتقداتهم، كالمقابلة بين تعدد الزوجات هنا، وتعدد الخليلات هناك. ولكن هذا الإباء القومي نفسه حملهم كذلك على النظر في تطهير الشرق من هذه المآخذ، بتصحيح

<<  <  ج:
ص:  >  >>