الزائف، وتقويم المعوج، وتقيد المطلق، فمضى كل زعيم يتحرى وجوه الإصلاح والتحرير في الوطن، أو في الدين، أو في الفكر، أو في الأدب، أو في القضاء، أو في الرجل، أو في المرآة، على حسب استعداده وطبيعة نفسه.
كانت رسالة قاسم إصلاح المجتمع في نواحيه المختلفة. وما كان في خلقه ولا في طوقه أن تكون رسالته غير ذلك. كان حي الوجه، يحتشم إذا لاقى، ويفضي إذا حدّث، ويعفو إذا جادل. وكان عطوف القلب، يدين بالصداقة، ويتخلق بالرحمة، ويواصل بالمودة. وكان رقيق الشعور، يكلف بالأدب، ويطرب للغناء، ويعجب بالجمال. وكان عصبي المزاج، ينفعل انفعال الفنان، وينبسط انبساط المؤمن، وينقبض انقباض الناسك، وكان محببا إليه العشرة، يخالط كل طبقة، ويسبر كل حالة، ويرقب كل حادث. وكان واسع المعرفة والخبرة؛ يتقصى طبائع الشعوب، ويدرس أحوال الأمم، ويتعرف دخائل النفوس. وهذه هي جل الصفات التي يجب أن تكون في المصلح الاجتماعي ليكون بينه وبين مجتمعه تجاوب في الشعور والفكر.
عني قاسم رضوان الله عليه بإصلاح المجتمع المصري وهو في سن العشرين منذ قرأ كتاب داركور ورد عليه في عام ١٨٩٤، فكتب في جريدة المؤيد تسع عشر مقالة أكثرها بعنوان (أسباب ونتائج) وبعضها بعنوان (حكم ومواعظ) عالج فيها أدواء المصريين في الاقتصاد والوقف والتربية والتعليم والأسرة والوظيفة علاجا لا يزال المصلحون يصفونه ويكررونه، لأنه جمع أكثر العناصر الفعالة في حسم الداء وبرء المرض. وقلما نجد كاتبا يعرض اليوم لهذه المسائل ولا يقع على خطاه، أو يوافق على ما أرتاه.
كان هذا المفكر العظيم يكتب عن إيمان وصدق. لا يكتب رغبة في الكتابة، ولا ينشر طمعا في الشهرة؛ إنما كان ينشر مقالته في الصحف من غير إمضاء، ويرسل فكرته في الناس من غير ضوضاء، ثم لا يعنيه إلا أن يراها تصيب الغرض الذي قصده، وتحدث الأثر الذي أراده.
وكان صاحب رأي وعزيمة، يقول ويفعل، ويفكر ويدبر. فإذا قرأنا رأيه في كتابين قيمين: تحرير المرأة والمرأة الجديدة، فقد رأينا عزمه في عملين عظيمين: الجمعية الخيرية الإسلامية، والجامعة المصرية.