إن علاقة الإنجليز بتاريخ الهند تدعو إلى الإعجاب الكثير. فقد توطدت بيننا وبينهم وشائج القربى، باعتبارهم رسل الثقافة الأوربية، ونالوا من نفوسنا ما لم تنله أمة من الأمم.
وإذا كانت المزنه تحمل إلى الأرض ماء السماء من آفاق بعيدة المدى، فيتغلغل في أعماقها ويسري إلى أحشائها، فيخرج منها نباتاً وأزهاراً تسر الناظرين، فإن سيل الفكر والثقافة الأوربية قد انحدر الينا، فأنبت في قلوبنا حياة جديدة، وأيقظ نفوسنا من سبات طالت عليه السنون.
بدأنا نتذوق الأدب الإنجليزي، ولم تكن فائدته لنا مقصورة على الفن الجديد الذي يفيض به، أو المتعة النفسية التي يهديها ألينا، فقد حرك قلوبنا إلى إصلاح كثير من أخطاء الإنسان نحو أخيه الإنسان، فدقت لأسماعنا أجراس رنانة الصوت تعلن تحطيم أغلال الإنسانية المعذبة، وخالجت أذهاننا حماسة نحو النضال في سيل مكافحة الاتجار بالإنسان.
لقد نيفت على السبعين من عمري، وكان عهدي بذلك أول العصر من تاريخنا الذي يجدر بي أن أسميه العصر الاوربي، في منتصف القرن التاسع عشر وهو العصر الفكتوري الذي يسخر منه شباب اليوم. لم تكن أوربا في ذلك العهد قد فقدت عقيدتها في حرية الفكر وحقوق الفرد التي حاربت من أجلها في عصور الإصلاح والثورة الفرنسية، وكان الأخ في أمريكا يحارب أخاه لمكافحة الاتجار بالرقيق. ويصح للعصر الفيكتوري أن يفخر بأنه العصر الذي سمعت فيه كلمات مازيني النبيلة وصيحات غاربيلدي الجريئة، وأنه العصر الذي ارتفع فيه صوت غلادستون مدوياً كالرعد في أنحاء العالم المتمدن، بالحملة على أعمال سلطان تركيا. وقد بدأنا نحن كذلك في الهند نفكر في استقلالنا في ذلك العهد. لم تكن حركتنا تخلو من العداء للإنجليز. ولكنا على الرغم من ذلك كنا على ثقة تامة من الخلق الإنجليزي. فقويت عزيمتنا على المطالبة بمشاركة بريطانيا باسم الإنسانية في الإدارة الهندية.
لقد رأينا الأمم الشرقية تسير قدماً نحو عصر جديد، فأملنا أن نندمج في صفوفهم لنتبوأ