للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الدعوة في الإسلام]

تبليغ لا إلزام

للأستاذ عبد المتعال الصعيدي

لا أريد في هذا المقال أن أرد على من يزعم أن استعمال السيف في الإسلام كان للدعوة إليه، فهذا أمر قد كتب الباحثون فيه قبلي، والكلام فيه يكون معادا لا فائدة فيه، وليس شيء اثقل على نفسي من الكلام المعاد، لأنه يضيع زمن الكاتب والقارئ، والزمن اثمن من أن يضيع في الكلام المعاد، والحديث المكرر.

وإنما أريد في هذا المقال أن انبه إلى إن الدعوة إلى الإسلام لا تكون أيضاً بما دون استعمال السيف مما فيه شائبة إلزام، ولو كان مثل هذا الإلحاح الثقيل الذي استعمله بعض المتنطعين في الدين مع الأستاذ نقولا الحداد، وشكي منه المرة بعد المرة في مجلة الرسالة الغراء.

فالدعوة في الإسلام قد حددت بأنها تبليغ عن الله لا غير، وهذا التحديد قد ورد في الآية - ٦٧ - من سورة المائدة (يأيها الرسول بلغ ما انزل إليه من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس أن الله لا يهدي القوم الكافرين) فلم يؤمر النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية إلا بتبليغ دعوة ربه، والله تعالى هو الذي يهدي إليها بعد تبليغه من يريد هدايته، ويضل عنها من يريد إضلاله، فإذا بلغ فقد أدى رسالة الله تعالى، وليس عليه بعد هذا أن يلح أو يستجدي في الدعوة إلى الإسلام، لأن دعوته اكرم من أن يستعان فيها بالإلحاح أو الاستجداء، لأنهما يعرضان الكريم إلى المهانة والاستثقال، ويؤديان إلى عكس المقصود منهما وهو الاستجابة للدعوة.

وهذا إلى أن أناقد أمرنا أن ندعوا إلى الإسلام بالحكمة، كما قال تعالى في الآية - ١٢٥ - من سورة النحل (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة وجادلهم بالتي هي احسن أن ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين) فإذا بلغ شخص الدعوة أو كان قد عرفها بنفسه كان الإلحاح في تبليغها إليه من باب تحصيل الحاصل، وهو عبث تأباه الحكمة التي امرنا أن ندعو بها إلى الإسلام، وإنما تقضي الحكمة أن نترك من بلغناه لنشتغل بتبليغ من لم نبلغه، فقد يكون اقرب منه إلى إجابة الدعوة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>