كشر الشر عن أنيابه، وبدت بريطانيا للعالم أجمع في صورة مخزية منكرة، فهي تهدر على الملأ حقوق الإنسان، وتئد الحرية القومية بما تستطيع من قوة وجبروت، ولولا أن وجدت مصر من مجلس الأمن منبراً تذيع عليه فضائع الاستعمار، وشنائع الاحتلال، لالتبس الحق بالباطل الصراح ولوجد في الناس من يغتر بتمويه إنجلترا الكاذب، ويصدق ما تخلعه عن نفسها من حلل النزاهة والوفاء.
ولقد مددت يدي إلى ديوان حافظ إبراهيم لأطالع في هذه الآونة الحرجة ما سبق أن هتف به شاعر النيل في أذن هذه الدولة الصماء، ولأشهد في مرآة شعره صورتها الصادقة التي رسمها الشاعر الكبير، ومما حمدت الله عليه أن وجدت هذه العجوز الشوهاء قد بدت كالحة عابسة تبعث في النفس اشمئزازاً وفي الصدر انقباظاً حتى إنك لا تستطيع - مهما تجلدت - أن تديم النظر إليها بضع لحظات متتاليات!!
والحق أن شاعر النيل كان ذا سلاح باتر ضرب به رقبة إنجلترا ضربات متلاحقة، وشهرة في وجه الاستعمار مبارزاً مصاولاً، وما زال يواصل سلاحه الدائب، ونضاله المستميت، حتى تيقظ الشعور الهاجع، وتنبه الإحساس الغافل، فهبت مصر جميعها تثور للكرامة الذبيحة، وتثار للحرية الجريحة، وهاهي ذي تواصل ثوراتها الصاخبة في قوة وإيمان حتى تنقشع السحب وتتبدد الظلمات.
أما كيف استطاع الشاعر أن يؤدي رسالته على وجهها الصحيح، فهذا ما سأبسط أسبابه للقراء في جلاء ووضوح. . .
نشأ حافظ رحمه الله تواقاً للأدب، حريصا على التحليق في أجوائه الشاسعة. وكان البارودي قد نال من نباهة الذكر، وبعد الصيت ما جعل شاعر النيل يتخذه مثلاً أعلى في الحياة، ولئن كان سامي قد ركز بناء مجده على البلاغة والفروسية، فإن حافظ يستطيع أن يملك زمام البيان باطلاعه المتواصل كما يقدر على الالتحاق بالمدرسة الحربية ليكون فارس الحومة، وقائد الكتيبة، ومن هنا ترك الشاعر المحاماة، والتحق بالمدرسة الحربية،