وإن أمله ليصور إليه أنه سيكون في يوم من الأيام خليفة لرب السيف والقلم محمود سامي البارودي!!
ظن حافظ أنه سيستفيد من المدرسة الجديدة استفادة يخدم بها وطنه المريض، ولكن صدره قد انقبض في حسرة وغيض إذ رأى بعينيه أن المستر براين الإنكليزي قد صفد المدرسة بأغلال وثيقة من الذل والعبودية، فلا يدرس فيها غير التمرينات الآلية التي لا تنشئ جيشاً، ولا ترفع أمة، أضف إلى ذلك ما كان يبديه القائم بأعمال المدرسة من ازدراء بالغ للعقلية المصرية واحتقار شديد للطلبة المنتسبين، مما جعل الشاعر يؤمن في قرارة نفسه - عن مشاهدة حقيقية - أن الإنكليز جميعاً من هذا الطراز الدخيل، فهم يضمرون السوء للشعب، ويهوون به إلى اسفل درجات الانحطاط.
خرج حافظ من المدرسة بعد انتهاء سنواتها التعليمية ثائراً ناقما، وما ظنك بشاعر مرهف الإحساس، يرى أعداءه الألداء يتحكمون في أمته أبشع تحكم، والشعب سادر في غفلته فلا يكاد يفكر في إزالة الكابوس الجاثم فوق صدره؛ وكان الظروف التي جمعت حافظا بفريق من المستعمرين في المدرسة الحربية قد هيأت له أن يعيش في جوهم المريض مرة ثانية، فقد سافر إلى السودان في الحملة العسكرية التي ذهبت من مصر بقيادة اللورد كتشنر لاسترجاعه من أيدي الثائرين، وكان في النهاية ما خاف حافظ أن يكون، فقد اهتبلت إنجلترا الفرصة، ورفعت علمها الإنكليزي مع العلم المصري على مدينة الخرطوم، ومن ثم بدا الشاعر يخط الصحيفة الأولى في كتاب نضاله السياسي فقد أرسل اللحن الأول من قيثارته الحزينة، يندد بخيانة الإنجليز وينبه الشعب المصري إلى ما يهدده من الخطر الداهم بعد استلاب السودان، وذلك إذ يقول:
رويدك حتى يخفق العلمان ... وننظر ما يجري به الفتيان
فما مصر كالسودان لقمة جائع ... ولكنها مرهونة لأوان
أرى مصر والسودان والهند واحداً ... بها اللورد والفيكنت يستبقان
واكبر ظني أن يوم جلائهم ... ويوم نشور الخلق مقتربان
وطبيعي أن يبث الشعور الوطني في زملائه الضباط، فيؤلف منهم زمرة تناوئ الغاصبين، وتتمرد على قيادتهم الغاشمة. ولم يلبث كتشنر أن وقف على حركته الوطنية، فتربص به