ذكر الأستاذ جمال الدين الرمادي في ثنايا مقاله عن الشاعر الرمادي بمجلة الثقافة العدد ٦٢٨ أن ابن زيدون أحب ولادة وسجن في سبيلها. والحقيقة غير هذا والتاريخ يخالفه، فلم يسجن ابن زيدون لأنه أحب ولادة وكان هذا السجن في سبيلها، لأن سيرته تبين غير ذلك، لم يكن ابن زيدون واحداً من عامة الناس ولا شاعراً كبقية الشعراء، بل كان فتى قرطبة المدلل وبطلها المرجى وشاعرها الذي لا يجارى، ووزيرها المتصرف. ولم يكن كل فهذا فحسب، فقد كان سياسياً شارك في المسائل العامة، وخاض غمار الثورة التي ذهبت بدولة بني أمية وأتت بغيرهم. وكان من أشياع أبي الحزم أبن جهور بن محمد، فما زال يعمل على تأييد ملكه حتى ثبتت أركانه وارتفع بنيانه، فاصطفاه ابن جمهور لنفسه وأشاد بفضله، وأسند إليه الوزارة جزاء خدمته وأناط به مهام الدولة، وكان لثقته فيه ينفذه إلى ملوك الطوائف سفيراً بينه وبينهم. . وكان أبو الوليد عبقرياً سريع حركة الفكر ذوب اللسان جم الفكاهة، وثاب النفس كثير الفخر بنفسه، يرى أن الأندلس كلها لم تنجب له نداً، فكان يتيه عجباً وخيلاء إذا افتخر بفضله، وربأ بنفسه أن يكون ألعوبة في يدالحوادث، فامعه يقول وهو في سجنه:
لا يهنئ الشامت المرتاح خاطره ... أني معنى الأماني ضائع الخطر
هل الرياح ينجم الأرض عاصفة ... أم الكسوف لغير الشمس والقمر
إن طال في السجن إيداعي فلا عجب ... قد يودع الجفن حد الصارم الذكر
قد كنت أحسبني والنجم في قرن ... ففيم أصبحت منحطا إلى القمر
ولقد كانت عبقرية ابن زيدون ومواهبه نقمة عليه، فقد أورثته الغرور بالنفس والاعتداد بها، فكان لا يقدر لرجله قبل الخطر موضعها (يرمي الكلمة لا يبالي أين رماها ويصدع بالرأي في جرأة واغترار) فقد كتب يوماً إلى فتاة كان يحبها قبل ولادة وقبل توليه الوزارة (. . . أما ابن جمهور فزق نفخته الكبرياء، وصورة من نفاق ورياء، يخدع الناس بلحيته الحمراء، ومسبحته السوداء، أنه رجل يثب عند الطمع، ويختفي عند الفزع، لو كان في الجاهلية لكان هبل، أو كان كوكباً لكان زحل. . .)