وقد أو غر تقريب ابن جمهور له، صدور حساده، فتربصوا به الدوائر وكانوا يعملون دائماً على الإيقاع به، ومن أشد أعدائه الوزير ابن عبدوس الذي كان ينافسه في حب ولادة ويخشى مزاحمته في مهام الوزارة، وكان ابن زيدون يعرف هذا ولكن غروره جعله يستهين بعدوه، أخبرته ولادة يوماً بعد أن خطبها، أن ابن عبدوس يطاردها كما يطارد الصائد فريسته، وأنها تريد أن ينقذها من ذلك فأغتاظ ابن زيدون وكتب له:(أما بعد أيها المصاب بعقله، المورط بجهله، البين سقطه، للفاحش غلطه، العاثر في ذيل اغتراره الأعمى عن شمس نهاره، الساقط سقوط الذباب، على الشراب، فوجودك عدم، والاغتباط بك ندم، والخيبة منك ظفر، والجنة معك سقر، كيف رأيت لؤمك لكرمي كفاء؟ وضعتك لشرفي وفاء، وأني أن الأشياء إنما تنجذب إلى أشكالها، والطير إنما تقع على إلفها، وهلا علمت أن الشروق والغرب لا يجتمعان، وشعرت أن المؤمن والكافر لا يتقاربان) ثم قال:
أثرت هزير الشرى إذ ربض ... ونبهته إذ هذا فاغتمض
حذار حذار فإن الكريم ... إذا سيم خفا أبي فامتعض
فإن سكوت الشجاع النهو ... س ليس بمانعه أن يعض
وأن الكواكب لا تستزل ... وأن المقادير لا تعترض
أبا عامر أين ذاك الوفاء ... إذا الدهر وسنان والعيش غض؟
أين لي ألم أضطلع ناهضا ... بأعباء برك فيمن نهض؟
لعمري لفوقت منهم النضال ... وأرسلته لو أصبت الغرض
وغرك من عهد ولادة ... سراب تراءى ومض
هي الماء يأبى علي قابض ... ويمنع زبدته من مخض
فأثارت هذه الأشياء أبن عبدوس فكان له بالمرصاد، يرقب حركاته ويتبع تنقلاته، ولا يكتفي بنقل ما يقع تحت يده بل يضيف الشيء الكثير من عنده.
حدث نأن أرسلهأأنأن أرسله ابن جمهور إلى المظفر صاحب بطليوس في شأن من شؤون الدولة، فوجدها ابن عبدوس فرصة نادرة فبعث وراءه جاسوساً، يرقب حركاته ويحصي عليه أعماله.
وأكرمه المظفر وأحسن استقباله. ولما رأى ما يتمتع به من ذكاء وفطنة رغب أن يكون