للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[أعلام الأدب]

سُوفُوكْلِيس

للأستاذ دريني خشبة

ظل سوفوكليس يمد المسرح اليوناني بروائع دراماته نيفاً وستين سنة، فكان عمراً ممدوداً مباركاً متصل الجهاد، وكانت حياته كلها كالحديقة الجميلة الغناء باسمة بالزهر يانعة بالثمر حافلة بالطير مزدهرةً بالألوان

وُلد سوفوكليس سنة ٤٩٦ قبل الميلاد، في كولونوس؛ وكان أبوه سوفيللوس تاجر أسلحة ذا ثروة واسعة فنشأ ولده تنشئة راقية وضمن له حياةً مترفة مليئةً بالمناعم، وثقافة أثينيةً هي إلى الأدب والفن، أقرب منها إلى العلم والفلسفة، ويبدو ذلك واضحاً جلياً في جميع ما تركت لنا يد العفاء من دراماته التي بلغت ثلاثاً وعشرين ومائة فلم يصلنا منها غير سبع

ويبالغ التاريخ في وصف جمال سوفوكلس إذ هو صبيٌّ وإذ هو فَتىً؛ ويقال إنه لم يكن في أثينا كلها من كان يفوقه رشاقةً وتناسقاً وجمال تركيب، حتى إنهم اختاروه في الاحتفال بالنصر في سلاميس ليقود فريق المنشدين، فكان يتقدمهم عارياً مُجَلّل الرأس بالغار والأزهار، عازفاً على قيثاره أشجى النغم، فكان فتنة الاحتفال كله

وكان يجمع إلى جمال الجسم ورشاقة اللفتات محاسن النفس الخَّيرة وفضائل القلب التقي، فكان يحب الناس جميعاً ويقسرهم جميعاً على محبته والشغف بمواهب روحه

ولقد شدا الموسيقى - وربما الشعر - عن الفنان الكبير لمبروس، الذي كان له أكبر الأثر في توجيه سوفوكليس والذي حبب إليه الإنشاد وموسيقى المسرح فجذبه إلى الفن وأقصاه عن الفلسفة، وضمن له الظفر على أقطاب الأدب وفحول الشعر في عصره، وهو لما يزال شاْباً حدثَ السن

ويذكرون أنه نال أولى جوائزه، وكان منافسه إذ ذاك إسخيلوس الشيخ، وهو في الثامنة والعشرين من عمره، بدرامة وطنية مفقودة تدعى (تربتوليموس). ويختلف المؤرخون في السبب الذي أظفر الشاعر الشاب بالشاعر الشيخ، واشهر الروايات أن إسخيلوس كان قد سخر بالآلهة سخرية واضحة لاذعة في درامته التي تقدم بها للمباراة مما أهاج الرعاع عليه وأثارهم ضده حتى كادوا يفتكون به وهو يمثل لولا أن حال أخوه بينه وبينهم، كاشفاً لهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>