عن ذراعه التي جرحت في سلاميس دفاعاً عنهم، وذياداً عن بيضة الوطن. . . ويقولون إن سوفوكليس كان قد أغرى القضاة بماله الكثير، وإنه نحَّاهم، وكانوا خمسة، حينما حان وقت فرز الأصوات وتقدم القادة العشرة المعجبون بدرامة سوفوكليس الوطنية فزخرفوا الحكيم ودلّسوا النتيجة وقضوا بالجائزة الأولى للشاعر الشاب. وأيَّاً كان السبب فقد ترك الحادث في نفس سوفوكليس أثراً عظيماً من الزهو ليس يعدله إلا أثر الحسرة والمرارة في نفس إسخيلوس. . . ولم يضار المسرح ولا الأدب بما حكم للأول على الآخر، فقد نظم إسخيلوس أسمى روائعه بعد ذلك، كما أن سوفوكليس صمد لخصمه، وراح يعزز فوزه بعشرات ثم عشرات من أرفع ما شهد المسرح من المآسي في جميع عصوره.
ذاك، وقد ظفر سوفوكليس بالجائزة الأولى عشرين مرة، وبالجائزة الثانية أكثر من ثلاثين، وقلما هبط إلى الجائزة الثالثة. ومهما يكن لأمواله من اثر في هذه النتائج الباهرة فمما لا ريب فيه أن أدبه وفنه ودقته كانت العوامل الأولى الأساسية في تعدد مرات انتصاره. . . أما إسخيلوس فقد فاز بالجائزة الأولى خمس عشرة مرة، على قلة منافسيه وهوان شأنهم، كما فاز بها يورببيدز - سيد شعراء الدرام - خمس مرات فقط
ولما كان سوفوكليس جميلاً بارع الجمال، فقد كان يقوم بنفسه بتمثيل أدوار النساء في صدر شبابه، كما ذكرنا أنه أدى دور نوزبكا في درامته (نسوة غاسلات). وكانت ظلال جماله تنعكس على فنه، فكان يؤثر البساطة في التعبير والتفكير، ويفضّل العاطفة الجياشة الثائرة على العقل الخامد الرزين، ولذلك لم يفكر في أن يرتفع إلى أفق إسخيلوس في برومثيوث مثلاً، لأنه كان يتجنب عمق الفكرة التي تجهد قرائح النظارة وتكمدها، ويؤثر أن يشب في قلوبهم حرائق من الألم والتأثر في روعة من الشعر العالي وجمال من الفن الدقيق.
وقد عاش سوفوكلس حياته الطويلة هادئاً لا يعكر صفوه شيء، حتى ثار في أعماقه شيطانه الفنان فوصل أسبابه بأسباب عادة سيئة السيرة فاسدة الخلق تسمى تيوريس - اضطره فنه على ما يبدو لنا من تحليل حياته إلى أن يتخذها خليلة تذكي مشاعره، وتصل إلهامه، وتحيي من قلبه موات الشيخوخة، وتدفئه من ريح العمر الباردة. . . لكن صلته بها قد افتضحت آخر الأمر، وكان ينفق عليها بسخاء غريب فثار ولده يوفون وشكاه أمام القضاء طالباً الحجر عليه وإقامته وصياً ليحول بين أبيه وبين تسرب ثروته وبعثرتها تحت قدمي