رأينا في الكلمة السابقة كيف علل إرقن عوامل الرقي والانحطاط في المسرح الأوربي بوجه الاجمال، وعرفنا وجهة نظره في جمهور النظارة؛ وسنرى كيف يربط وجهة نظره تلك بتأخر الدرامة بعد الحرب الكبرى في أوربا عامة وفي إنجلترا على وجه الخصوص، ثم ما نشأ عن انحطاط حاسة هذا الجمهور الفنية من قيام المسارح التجارية التي أجهزت على البقية الباقية من السمو المسرحي الذي ورثته أوربا عن جهابذة كتاب الدرامة وشعرائها قبل تحول هذه القارة من الزراعة إلى الصناعة، ثم ما صنعته الحرب الكبرى من التحلل في أعصاب الأوربيين وما أفسدت به أرواحهم من انتشار الخلاعات في معظم شعوبهم ولاسيما في شعوب البحر الأبيض المتوسط أو الشعوب اللاتينية على وجه التخصيص
لم تعد تروج المأساة في مسارح هذه الشعوب المحتاجة إلى ما يرفه عنها. . . لقد فقدت إنجلترا قرابة المليون من زهرة شبابها المثقف اليانع، وقل الرجال في فرنسا التي فقدت في تلك الحرب المشئومة أكثر من مليونين، وكان لقلتهم أوخم العواقب الاجتماعية والأخلاقية، فقد فشت الخلاعة، وانتشرت الرشوة، ونفقت السوق السوداء، وخربت الأمم، واختلت معايير الفضيلة، وأصبحت الخيانة الوطنية أبسط الجرائم التي تقترف دون مبالاة. أما في إيطاليا فقد خنقت الحريات باسم الإصلاح الفاسستي، ذلك الإصلاح المادي الذي ملأ روح الأمة بالخيلاء والزهو الكاذب وأفسد فيها مثُل غاريبلدي العليا. . وفي أسبانيا حدثت القلاقل التقليدية في تاريخها المفعم بالأعاجيب، فطاح عرش ألفونسو، وشبت الحرب بين الاشتراكيتين اللتين تصطرعان الآن في روسيا وألمانيا، وانصرف الجمهور عن المسرح بعد إذ كان يشارك الجمهور الإيطالي في الذهاب إليه (بالجملة) حيث كانت العائلات تقصد