أخيراً عاد وللحمد لله مجلس التعليم الأعلى إلى الظهور بعد أن طال احتجابه وبعد إن طلبنا مراراً ونادينا تكراراً على صفحات (الرسالة) الغراء بضرورة إحيائه من جديد ليوجه التربية والتعليم الوجهة الصحيحة النافعة المثمرة. وإنه لجميل حقاً أن اضطلع بعضويته رجالاً ذوو خبرة ودراية كوزراء المعارف السابقين وآخرون من ذوي الفكر وحملة القلم، وهم جميعاً بتعاونهم جديرون برسم السياسة المستقيمة وتوجيهها التوجه الطبيعي القويم.
ولقد سبق إحياء هذا المجلس مؤتمر لرجال التعليم دام عمله لثلاثة أيام في شهر نوفمبر الماضي عقد فيها عدة جلسات وألقيت عدة محاضرات ودارت مناقشات ومباحثات بين المؤتمرين عن أهداف التعليم وسياسته، وأصدروا عدة قرارات كان أهم ما جاء فيها ضرورة العمل على خلق المدرسة الشعبية لتضم أطفال الأمة جميعاً بين السادسة والثانية عشرة على أنقاض المدارس المتعددة الأساليب والمقاصد التي سبق أن نددنا بقيامها لما ينتاب الوالد من حيرة إذا أراد أن يلحق ولده بإحداها ولما تبعث في نفوس أطفال البلد الواحد من غل وضغينة وحسد وسخيمة وتكون عوامل جفاء وفرقة بين أفراد الشعب طوال الحياة. تلك هي المدارس الابتدائية والمدارس الأولية والمدارس الإلزامية والمدارس الريفية ومدارس رياض الأطفال.
قرر مؤتمر التعليم إدماج هذه المدارس جميعها في مدرسة واحدة مدتها ست سنوات وأن تكون مرحلتها هذه خالية من اللغة الأجنبية، وهو قرار حكيم طالما تُقنا إليه، وإنا نؤيده بكل قوانا لدى مجلس التعليم الأعلى ولدى جميع المهيمنين على التعليم تخفيفاً من حدة نظام الطبقات الذي لا تعرفه عقائدنا ولا تقاليدنا إلا في العصور الأخيرة التي طغى عليها زيف المدنية المادية، وصوناً لوحدة هذا الشعب الذي مزقت وحدته اختلافات نواحي التفكير واختلافات الوحدات والمقاصد، فأصبح تراثه نهباً للمستعمرين ولبعض السياسيين المحترفين الذين أشعلوا نار الخصومة والفرقة بين أفراده وأسره وجماعاته، وساعدهم على ذلك تكوين الناشئة في مدارس متباينة في الأساليب مختلفة في الأوضاع والمقاصد.
وإنا وإن كنا حمدنا الله تبارك وتعالى لتوفيق المؤتمر إلى هذا القرار، إلا إنا كنا نرجو منه