أقام مجمع فؤاد الأول للغة العربية حفل تأبين للمغفور له الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني يوم الأثنين الماضي بدار الجمعية الجغرافية الملكية. وقد اقتصر الحفل على كلمة الأستاذ عباس محمود العقاد التي رؤى الاكتفاء بها تجنباً للتكرار والإملال، وقد جاءت فعلا وافية بالغرض، فقد ألم فيها بحياة الفقيد إلماماً إجمالياً حلل في ثناياه أدبه وبَعض صفاته الشخصية التي أثرت في هذا الأدب. فأغنت عن كثير من خطب وقصائد مما يلقى في هذه المناسبة.
استهّل الأستاذ العقاد حديثه عن صديقه فقيد الأدب الأستاذ المازني بأنه كان (منذوراً) للأدب بكل ما نفهمه اليوم من معنى هذه الكلمة، وقد كان الأقدمون إذا قيل لهم عن أحد من الناس إنه منذور لهذا المعبد أو لهذا الحرم، فهموا من ذلك أنه قائم في خدمة معبده طول حياته، وأنه لا يملك أن ينحرف عن خدمته باختياره. وقد خيل للمازني أن يعطي مطالب المعيشة حقها، فلم يلبث حتى تبين له أنه للأدب وحده، وأن الأدب يلاحقه أينما ذهب، فلا يتركه حتى يعيده إلى جواره.
وبعد أن تحدث عن المرحلة التي لحق فيها المازني بمدرسة المعلمين العليا وتخرج فيها، قال: لقيت المازني في هذه الفترة، ولقيت الأستاذ عبد الرحمن شكري بعد ذلك، فمن عجيب التوفيق أن يكون شكري في الإسكندرية، وأن يكون المازني في القاهرة، وأن أكون أنا في أسوان، ثم نلتقي على قدر وعلى اتفاق فيما قرأناه وفيما نحب أن نقرأه، مع اختلاف في حواشي الموضوعات من غير اختلاف على جوهرها، وكان المازني أكثرنا ولعاً بالقصة والمقالة الوصفية، وكنا نلتقي في ناحية واحدة من نواحي القصة على الخصوص، وهي القصة الروسية، وأحسب أن القصة الروسية من أقوى المؤثرات في نزعته التي جنح إليها بقوته كلها بعد ذلك فيما نسميه بفلسفة الحياة.
وتحدث العقاد عن نزعة الاستخفاف عند المازني فقال إنها ترجع إلى جملة أسباب بعضها ما كمن في طبعه وأتى بعضها من عراك الحوادث ووحي المطالعة والتفكير. درج صديقنا