أطلت القصة الحديثة على الأدب العربي مستحيرة الوضاءة مكتملة العناصر والتكوين، فهفت إليها الأبصار هفوها إلى الجمال المتألق الضاحي، وتعلقتها الأفكار تعلقها للجديد المستطرف الأخاذ، وتشربتها النفوس بلذة وشغف؛ ونفوس الأدباء أبداً ظمأى للخمرة العلوية يترع الفن بها أقدامهم فيعبون منها ولا يرتوون
والقصة اليوم - وهي تتبوأ الذروة في الأدب - رسالة من رسالات الفكر النير يزفها هدى للناس فنان ملهم، ومشعل من مشاعل الثقافة الشاملة يحمله للورى عبقري فذ؛ رسالة تمشي بالناس نحو هدف من أهداف الإنسانية الكبرى، ومشعل ينير لهم من خفايا نفوسهم ما يجهلون.
فلا غرو إذن - وللقصة هذا المقام الرفيع - إن رأينا أدباءنا يعالجون فنها الساحر على ضوء النظريات الحديثة، ويقدمونها للقراء نتاج ما وصلت إليه قرائحهم من قدرة على تفهم أسرار النفس البشرية الغامضة، واستطاعة على الإبانة عن الشعور بالحق والحب والجمال.
والأستاذ كرم ملحم كرم استهوته القصة وهو أديب ناشئ طرير العود، وقد طلع على الناس بمجلته الروائية الأسبوعية (ألف ليلة وليلة) وهو محرر في جريدة (الأحرار) فعرفنا به أول أديب في قطر الشام وقف جهوده كلها في سبيل الفن الروائي. وهو لا يزال منذ عشر سنوات خلت حتى اليوم يتحف الأدب بروايات شائقة جلها يمت إلى القصص العالي الرفيع، ولا سيما الموضوعة فقد بلغ الكثير منها في الحوار والتحليل وسرد الوقائع شأواً بعيداً في الجودة
و (المصدور) قصة إنسانية، وقائعها مستمدة من صميم الحياة، محورها الحب الشهيد وقطبها العاطفة المقهورة، تتلخص في أن طالباً من أبناء الموسرين هام بحب قروية عذراء أهلها خدم في أملاك أبيه في ضواحي المدينة، وهامت هي به كذلك دون أن يأبها الهوة السحيقة التي تفصل بين مقاميهما. وعاهدها على الزواج مهما اعترضته العراقيل،