للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعاهدته على الوفاء حتى الموت

وهنا يبدأ النضال الشريف في سبيل الحب الطاهر الوثيق بين القلبين الكبيرين، ومن هنا تبدأ الآلام النفسانية المرهقة التي لا تنتهي إلا بمأساة فاجعة

فأهل الحبيب المعمود لم يكادوا يدرون بما يتأجج في فؤاده من هوى مبرح لربيبة نعمتهم حتى ثارت ثائرتهم، وحتى راحوا ينهون فتاهم عن هذا الحب الأعمى الغرار تارة باللطف والحسنى، وطوراً بالتهديد والوعيد، وحتى حالوا بينه وبين تردده على أملاك أبيه في (نهر الكلب) مسرح حبه ومرتع أمانيه

وأهل الفتاة الولهى ما علموا بهوى ابنتهم لابن سيدهم ومولاهم حتى خشوا أن تحل بهم النكبات من جراء هذا الحب المتهور الطائش، ويطردهم أسيادهم من المزرعة التي صرفوا فيها سني حياتهم الهانئة على ما فيها من عناء ووصب، فزجروا الفتاة وعنفوها وزينوا لها حب أبناء القرى العف البريء من المآثم، ونعوا عليها حب أبناء المدن المتقلب الأرعن المليء بالجرائم، فما كانت لترعوى عن غيها في رأيهم وضلالها

ورأى الأهل جميعاً أن يلجئوا إلى الحيلة والإكراه فأوهموا الفتاة أن ابن سيدها الذي تجرأت فرفعت إلى عليائه عينيها الخاطئتين قد تزوج ولم يعبأ بوعوده لها ولا بعهوده، وأرغموها على خطبة من لا ينبض بحبه فؤادها الموله، فاسودت في نظرها الحياة، وآثرت أن تترهب على أن تزف لغير الحبيب ففرت إلى الدير بعد أن وضعت بعض ثيابها على ضفة النهر في يوم عاصف الأنواء لتوهم أهلها أنها انتحرت

وضللوا الفتى، فقالوا له إن فتاته خطبت إلى فتى من بيئتها أليق بها منه وأنها ستتزوج في العاجل بعد قليل، وأنها سعيدة كل السعادة في حبها الجديد لخطيبها الفلاح

وحتموا عليه أن يتزوج بالفتاة التي انتقوها له لينعم، فرضخ لإرادتهم القاهرة وبنى بابنة بيت رفيع العماد ليشقى!

ولم يلبث أن عاف زوجته واجتوى منزله، وراح ينفق ماله ويبذل شبابه بين الأقداح والغواني لينسى حبه الشهيد البكر، فهزل جسمه وانكفأ لونه من الإدمان في الشراب والإسراف في طلب الهوى الأثيم؛ وما زال كذلك حتى عراه السقام، وعشش في صدره السل الوبىء

<<  <  ج:
ص:  >  >>