للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في الفلسفة الإسلامية]

ابن باجَّه

للأستاذ عمر الدسوقي

(تتمة ما نشر في العدد الماضي)

الفصل الثاني من تدبير المتوحد

تكلم ابن باجَّه في هذا الفصل عن أعمال الإنسان، والفرق بينها وبين أعمال الحيوان. أمّا الأعمال البشرية المحضة الخاصة بالإنسان فهي الصادرة عن الإرادة المطلقة: أي الإرادة المصحوبة بالاختيار والروية والتفكير الحر، لا عن غريزة ثابتة في الإنسان ثبوتها في الحيوان. وقد يشارك الإنسان الحيوان في بعض أفعاله كأن يهرب من مفزع أو يكسر عوداً خدشه، لأنه خدشه فقط، فهذا عمل حيواني، أمّا أن يكسره لئلاّ يخدش غيره أو عن روية توجب كسره فذلك عمل إنساني.

فالعمل الحيواني إذاً هو الذي يصدر عن انفعال نفساني وغريزة ثابتة كالغضب والخوف، أمّا العمل الإنساني فهو الذي يوحيه الفكر سواءٌ تقدم الفكر انفعالٌ نفساني أو مؤثر غريزي أم أتى بعده، وسواء كانت الفكرة يقينية أو مظنونة. ويندر أن تكون أعمال الإنسان حيوانيةً على الإطلاق - لأنها على الأقل يصحبها التفكير في تنفيذها - أمّا الأعمال الإنسانية البحتة فقد توحد، وإذا تعاونت الغريزة والفكر كان النهوض للعقل أقوى.

وأمّا من يفعل الفعل لأجل الرأي والصواب، ولا يلتفت إلى ما يحدث في النفس البهيمية ففعله أولى أن يسمى إلهياً لا إنسانياً

ولهذا وجب على المتوحِّد أن يكون فاضلاً حتى إذا قضت النفس الناطقة بأمرٍ لم تعاند فيه النفس البهيمية، لأنها إذا عاندت وضعت العراقيل والصعاب، وكان حدوث العمل بكرهٍ وعسر. والرجل الذي تتغلب فيه النفس الحيوانية على الناطقة أقل من الحيوان لأن الحيوان يسير على طبيعته وسجيته، أمّا هذا النوع من الرجال الذي يملك الفكر الإنساني، ويمكنه أن يتقن العمل ويتقاعد عن ذلك فهو أقل من الحيوان؛ لأنه مع ذكائه ووقوفه على الخير والشر تراه يتبع الحيوان، ومثل الذكاء في هذه الحال مثل الغذاء الشهي يعطي لبدن

<<  <  ج:
ص:  >  >>