مظاهر الحياة في الإنسان ثلاثة، يرجع إليها كل ما يصدر عنه من أفعال وأقوال وحركات وسكنات. وهذه المظاهر هي الحس والعقل والخلق. والإنسان الوسط يستطيع أن يلحظ في غيره بسهولة تامة النقص الذي يعتري ناحية أو اكثر من هذه النواحي الثلاث. فيحكم عليه بأنه بارد الحس، أو ناقص العقل، أو معوج الخلق. وليس يهمنا ما يقال من أن الحكم في هذه الأحوال لا يكون إلا تقديرياً، وإنما الذي يعنينا هو أن الحس والعقل والخلق موجودة في كل إنسان، وإن تفاوت وضوحها، ووضوح اتجاهاتها في الناس، وإن اختلفت معاييرها فليس ينفي وجود القمح أن يكيله ناس بالإردب، وأن يزنه ناس بالقنطار. . .
ولما كان الكمال البشري يستدعي رقي الإنسان في نواحيه جميعاً بحيث تنسجم هذه النواحي فيه وتتوازن وتتضافر فتخطو به خطوة جديدة في طريق التطور والارتقاء تلبية لنداء الطبيعة التي تريدهما، لزم أن يكون كل عمل من أعمال الإنسان صادراً عن حس مرتق، وعقل مرتق، وخلق مرتق. فإذا اختل التوازن بين الحس والعقل والخلق في أي عمل من أعمال الإنسان عاب هذا الاختلال العمل وأنقص قدره.
ونحن إذا نظرنا إلى هذه النواحي الثلاث رأينا لكل ناحية منها طريقاً خاصاً من طرق الرقي الإنساني تسعى فيه. فالحس طريقه الفن، والعقل طريقه العلم، والخلق طريقه الفضيلة.
وأكمل الناس من غير شك هو الذي يرقى في معراج التطور بحسه وعقله وخلقه، وأقل منه كمالا من يرقى في هذا المعراج بناحيتين فقط من نواحيه الثلاث، والأقل كمالاً من يرقى في هذا المعراج بناحية واحدة. وأغلب الناس غير متوازنين، بل إن أغلبهم تنصقل في نفسه ناحية واحدة فقط من هذه النواحي فتضيء ما حوله ولكن بلون نورها هي، بينما يتخافت إلى جانبها النوران المنبعثان من الناحيتين الأخريين. وهكذا كان في الناس فنانون