ذهب الأستاذ الرصافى في تعليقاته إلى أن (وحدة الوجود) هي شئ لم تعرفه الدنيا قبل الإسلام، وأن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هو أول من عرفها، وأنه لم يذكر منها شيئاً لأصحابه إلا ما لمح به منها لأبي بكر، وإن يكن قد أشار إليها في القرآن، ثم ظلت مجهولة حتى القرن الثاني من الهجرة حينما جهر بها المتصوفة الذين يعدهم الأستاذ وحدهم فلاسفة المسلمين (ص ١٣ - ١٤)
وقبل أن نخوض في هذا الحديث الذي لم نكن نؤثر أن نعرض له لو لم يدع الأستاذ الرصافي جميع المسلمين إلى الأخذ به، عائباً عليهم أخذهم بظاهر ما أتاهم الرسول به، وعدم فهم ما قال (محمد) في القرآن على أصله، مستشهداً على غفلة المسلمين بكلام لمستشرق إيطالي جاهل يقول:(إن المسلمين تمسكوا بمتن الإسلام لا بروحه، فأغمضوا عيونهم على شكل الأحكام التي أثبتها محمد، وبقوا جامدين عليها، فلذا بقيت على ما هي عليه من ركود وجمود، أي بقيت ديناً ابتدائياً لا يتمشى مع كل زمان؛ وليس ذلك من عمل محمد، بل هو من عمل المسلمين. . .) ص ٢٠٣، داعياً لهذا المستشرق بالا يفض الله فاه لقوله هذا الكلام. . . فض الله فاه وأفواه الزنادقة أجمعين!
لولا هذا اللغو الذي يدعونا الرصافي إليه، ولولا أنه طبعه في كتاب وزعه وأهدى منه، لما آثرنا أن نخوض في إفك نهانا رسول الله عن الخوض فيه حتى لا نهلك. . . ولكن ما الحيلة ونحن نرمي بالجمود والدعوة إلى الحجر على حرية الفكر إذا دعونا إلى محاربة هذا البهتان الذي شاع في الدولة العباسية؛ فكان في شيوعه القضاء على أمجاد المسلمين الفكرية والسياسية
قبل أن نخوض في هذا الحديث إذن نحب أن نعود بالأستاذ الرصافي، هداه الله، إلى ما قبل الإسلام بقرون عشرة أو نحوها. . . لنستعرض ما كان يراه فلاسفة اليونان في هذا الوجود، وذلك منذ أن بدأت الإنسانية تتفلسف تلك الفلسفة التي نمقتها، وإن تكن هي التي هدتنا إلى الله خالق كل شئ. . . المحيط بكل شئ، الهادي إلى سواء السبيل. وسنجتهد ألا