نلتوي بالقراء في مهامه تلك الفلسفة اليونانية التي تصور لنا أخصب نضال فكري في التاريخ للاهتداء إلى الحق. ومع ذلك فلم يفز الحق منها بشيء: وسنرى أن اليونان فكروا في وحدة الوجود، وأن مشكلات هذه الوحدة كانت تتعقد في رؤوس فلاسفتهم تعقداً يقف عند أصول مضحكة، لأنها مزيج من خيبة الرجاء، ومن الخبط في ظلمات لم يحن الحين للتفكير الإنساني أن يستجلى أسرارها. ومع أنه من الجرأة أن نلخص هذه الأفكار المتضاربة في عمود أو عمودين من أعمدة هذه المجلة، إلا أننا مضطرون إلى ذلك، لنضحك آخر الأمر على وحدة الوجود التي تملأ أدمغة متصوفينا، كما ضحكنا أياماً ونحن نكب على الفلسفة اليونانية نتأملها ونتدارسها عسى أن تهدينا إلى شئ نفرح به
١ - فكر طاليس في نشأة الموجودات، حية وجامدة، فزعم أنها نشأت من الرطوبة ولكن كيف نشأت؟ هذا ما لم يستطع طاليس أن يفسره
٢ - ثم زعم تلميذه أنجزماندر أنها خلقت من مادة غير معينة ولا محدودة، وذلك بالانفصال عنها، ثم قضى الله عليها بالفناء في تلك المادة ثانية للأنانية التي أبدتها في أن تكون لها حياتها المستقلة!
٣ - ثم زعم أنجز مينس أنها البخار - وأن الأشياء قد خلقت منه، إما بالتكاثف (السحاب والماء والتراب) أو بالتخلخل (النار والشموس)!
٤ - ثم جاء فيثاغورس وأتباعه الذين اقتدوا بأورفيوس الموسيقي في تقشفه وزهده واتخذوا البياض شعاراً لهم وسعوا إلى تطهير النفس من أدران المادة بالتفكير الفلسفي فزعموا أن الأشياء قد خلقت من العدد (!!) وملئوا فلسفتهم بالألغاز التي لا يفهمها من ليس من طائفتهم
٥ - ثم كان أجزنوفانس المنشد الذي ثار بأساطير هومر الإلهية ودعا الناس إلى عبادة الله الواحد الذي ليس كمثله شئ والذي تنزه عن الأعضاء، فهو سميع كله سمع، وبصير كله بصر وعاقل كله عقل. . موجود في كل الوجود إلا أنه كان يؤمن بأن الله (حال) في العالم، وأنه ليس شيئاً غيره، وهو لذلك أول قائل بوحدة الوجود
٦ - ثم جاء بارمنيدس فأنكر كل ما تدركه الحواس ولم يؤمن إلا بما يدركه العقل، وذهب إلى أن كل شئ غير الوجود - الكينونة! - خداع ووهم، لأن المحسات كلها فانية والوجود