وحده هو الأزلي الخالد، إلا أنه عاد فاعترف بكرّية الوجود وأنه يشغل مكاناً وفي ذلك اعتراف ضمني بمادية الوجود. . .!
٧ - ويؤيد الفيلسوف زينو ما ذهب إليه بارمنيدس، وينكر الحسيات والتعدد والحركة (وسبحان واهب العقول!) فكأنما العالم عند هؤلاء عالمان، عالم الوجود المعنوي، وعالم الوهم (اللاوجود) الحسي - أما ما هي العلاقة بين العالمين فلم يحاولوا تبيانها
٨ - ويجئ هرقليطس فينقض آراء من تقدموه، ويعترف بالتقاء عالمي الوجود واللاوجود، بل باتقاء المتناقضات كلها، محتجاً بأن التناقض هو في نظرنا فحسب، ثم يرتأي أن العالم كله مخلوق من النار، وأنه دائم التحول لا يثبت على حال واحدة لحظة واحدة، وأن العقل الإنساني والحياة الإنسانية هما قبضة من تلك النار تشتعل بالحواس والتنفس - ودوام التحول هو دوام الاشتعال إلى أعلى وإلى أسفل الخ
٩ - ثم يأتي إميذوكلس فيرد المخلوقات إلى أربعة جذور (عناصر!): التراب والماء والهواء والنار، ويزعم أنها لا تتغير في طبيعتها وأن الذي يقوم بالاتصال بينها هو الحب (الجاذبية) وأن الذي يقوم بالانفصال بينها هو البغض (التنافر). ويتناوب الحب والبغض تجميع العناصر وتفريقها إلى الأبد، فمرة ينتصر الحب فيصير الكون مزيجاً (وحدة) وأخرى ينتصر البغض فتتفرق العناصر
١٠ - وتأتي نوبة الذريين، فيقول ديمقريطس إن العالم يتركب من ذرات يدفع بعضها بعضاً، خبط عشواء (!!) فيناقضه أناجزا جوراس الذي يقول بتعدد العناصر وبوجود قوة عاقلة مدبرة حكيمة هي (العقل) أو ما يسميه هو ? تتولى تحريك تلك العناصر وتوجهها وجهة غائية صالحة تضمن جمال الكون ونظامه، إلا أنه يعتقد قدم العقل والعناصر على السواء وأن أحدهما لم يخلق الآخر، وإن حرك العقل العناصر وألف معها (وحدة الوجود!) - ومع ذاك فقد ظل اثنينياً آخر الأمر
١١ - ويأتي (دور) السوفسطائيين الذين يعنون بالحياة العملية، ويهملون الفلسفة النظرية، وزهدوا في المناقشة حول الآلهة. . . ويقول أحدهم (بروتاجوراس): (إنني لا أستطيع أن أقرر إن كانوا موجودين أو غير موجودين، كما لا أستطيع أن أستبين صورهم، وإن حياتنا القصيرة لا تساعدنا على معرفتهم معرفة صحيحة لشدة الغموض الذي يكتنفهم!) وبهذا