للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من ظرفاء العصر العباسي:]

١ - أبو العيناء

١٩١ - ٢٨٣

للأستاذ صبحي إبراهيم الصالح

(في هذا العالم الزاخر بالتناقضات عرش للهزل كعرشه للجد، استوى عليه أبو العيناء منذ بلغ أشده من رد إلى أرذل العمر فمات)

بقي أبو العيناء معروفاً بهذه الكنية منذ اشتهر بين أهل عصره حتى انطوت حياته الطويلة الطريفة. أما اسمه فهو محمد بن القاسم الهاشمي بالولاء؛ لأن جده خلاداً كان من رقيق اليمامة، وكان مولى لأبي جعفر المنصور؛ فقد روي الخطيب في (تاريخ بغداد) عن محمد بن صالح بن النطاح مولى بني هاشم أنه قال: (حدثني أبي قال: طلب المنصور رجالاً ليكونوا بوابين له. فقيل: إنه لا يضبط هذا إلا قوم لئام الأصول، أنذال النفوس، صلاب الوجوه، ولا تجدهم إلا في رقيق اليمامة. فكتب إلى السري عبد الله الهاشمي - وكان واليه على اليمامة - فاشترى له مائتي غلام من اليمامة، فاختار بعضهم فصيرهم بوابين، وبقي الباقون فكان ممن بقي خلاد جد أبي العيناء. . .)

ويبدو أن القاسم بن خلاد والد أبي العيناء لم يطلب له المقام في بغداد، فولى وجهه شطر الأهواز بخوزستان؛ فكان مولد ابنه في كورة من كورها سنة إحدى وتسعين ومائة بعد نكبة البرامكة بسنوات، وقبل وفاة الرشيد بسنتين: فأبو العيناء قد تم الرضاعة حين بويع للأمين بالخلافة بعد وفاة أبيه في طوس، وأضحى في السابعة من عمره لدى مقتل الأمين، ونشأ أحول العين مخضوباً بالحمرة خضاباً ليس بالشبع، فأمضى فيها بقية حداثته وكل شبابه وجانباً من كهولته، في عصر المأمون الذي دام عشرين عاماً؛ فأصبح أبو العيناء في ربيعه السابع والعشرين، ثم في عصر المعتصم الذي بقي ثمانية أعوام فأضحى أبو العيناء في السادس والثلاثين، ثم في عصر الواثق بالله الذي ظل خمسة أعوام فجاوز أبو العيناء حدود الأربعين. ويومذاك اعتلت عيناه فأمسى بعد حوله أعمى بعد مغادرته البصرة إلى دار الخلافة ليقضي فيها أكثر من نصف عمره الطويل.

<<  <  ج:
ص:  >  >>