وجهنا عنايتنا في الماضي إلى نشر التعليم فقط بدليل البيان البليغ الذي نشره معالي هيكل باشا وزير المعارف الحالي في أول عهده بهذه الوزارة في مايو سنة ١٩٣٨. ولقد قمنا بما قمنا به من نشر على أساس النظم القديمة من غير أن نعمل عملاً جدياً في سبيل إقامة التعليم على أساس جديد وطيد سداه المبادئ التعليمية الحديثة ولحمته القومية المصرية والطابع القومي، فالرجل المتخرج في إحدى المدارس القائمة منذ نصف قرن من الزمان إذا دخلها اليوم يرى الطابع القديم بارزاً بها، والروح القديمة متأصلة فيها، والنظام القديم قائماً بين جدرانها؛ ولا يرى التغيير إلا في إحلال مدرسين وتلاميذ حديثين بدلاً من غيرهم من القدامى. وليس معنى ذلك الثبات على تقاليد قديمة مألوفة، ولكن معناه مع الأسف الجمود على نظم بالية معروفة؛ ومعناه كذلك أن كل مدرسة مصرية سواء أكانت في قنا أو الإسكندرية تسير على وتيرة أختها في كل شيء بدون تبديل ولا تحوير مهما بعدت الشقة بينهما ومهما اختلفت ظروفهما ومهما تفاوتت بيئتهما، مما دعا المستر مان إلى القول في تقريره: (قد سبق توجيه النظر في الفصل الثاني المختص بإدارة التعليم العامة في مصر إلى خلو نظام التعليم العام من المرونة والتنوع. رأينا بعض ما ينجم من هذا الجمود من النتائج السيئة الأثر في التربية القومية، بيد أنه يستحسن أن نعيد القول هنا بأن كل مدرسة مصرية تماثل في الوقت الحاضر كل مدرسة أخرى من درجتها كل المماثلة التي يستطاع إيجادها بواسطة اللوائح والقوانين، وبأن نظار المدارس ومدرسيها يكادون يعدون بمثابة آلات لإنفاذ ما تفرضه الإدارة الرئيسية من خطط دراسية لم يشتركوا في وضعها، ولم يؤخذ رأيهم فيه إلا في حالات لا تكاد تذكر، وهذه الخطط تطبق تطبيقاً عاماً من الشلال إلى الإسكندرية على نمط واحد بدون أية مراعاة لمصالح التلاميذ وحاجاتهم المتنوعة وبغض النظر بتاتاً عما إذا كانوا من سكان الريف أو المدن وعما إذا كانوا سيحترفون في