المستقبل الزراعة أو سيزاولون التجارة أو الصناعة في المدن. ويجب أن نؤكد مرة أخرى أن مثل هذا النظام لا يحول فقط دون الانتفاع بخبرة النظار والمدرسين الفنية ومعرفتهم للشؤون المحلية في أغراض التعليم العامة، بل يمنعهم فعلاً من استخدام مواهبهم وكفايتهم استخداماً تاماً في إدارة مدارسهم بحسب ما تقتضيه أحوال البيئة ومرامي التعليم، لأنهم مهما رأوا في المنهج العام وخطة الدراسة وعدم الملاءمة لحاجات تلاميذهم الخاصة فإن واجبهم يحتم عليهم أن يتبعوها اتباعاً دقيقاً. أعود فأذكر أن ليس معنى ذلك الثبات على تقاليد معينة، إذ ليس لإحدى مدارسنا القديمة تقليد معين كتلك التقاليد المرعية التي يعرفها خريجو المدارس في إنجلترا مثلاً، ويفخرون بها، ويحافظون عليها. هذا والمعلم القديم الذي باشر العمل في المدارس المصرية منذ عشرين سنة ولا يزال يباشره إلى اليوم يشعر بالأسف العميق يملأ جوانح قلبه مما يراه اليوم من الانحطاط العام الذي أصاب حالة التعليم فيها ومن روح التواكل والتكاسل التي عمت أرجاءها؛ وهو لا شك يشعر بالأسف العميق أيضاً إذ يحس أن روح الجد والعمل من ناحية التلاميذ قد انقلبت إلى روح استهتار وقلة اكتراث وكسل يصحبها ميل شديد إلى الأخذ بأكبر نصيب من المتعة واللذة وحياة الطراوة والهزل حتى حار فيهم المربون وضاقوا بهم ذرعاً، واستولى اليأس من إصلاحهم على قلوب الكثيرين؛ وأصبحت الحالة لا تطاق بين جدران المدارس بسبب ما يوجد من الاستهتار والرعونة والخروج على المبادئ الأساسية المرعية بين التلميذ ومعلمه. وإن الفوضى التي تنتاب المدارس أحياناً وبخاصة في الأسبوع الأخير من العام الدراسي من خروج على النظام والآداب وإتلاف لبعض أثاث المدرسة مما يتناول كرامتها وكرامة أساتذتها، ولما تحزن له النفس ويهلع له القلب. وهذه حال ستؤدي حتماً إلى تدهور خلقي أشنع مما تقاسيه البلاد الآن إذا لم تجد اليد القوية الحازمة الرادعة التي تضع الأمور في نصابها فتعيد إلى المدرسة كرامتها، وتجعل أساس المعاملة بين التلميذ وأستاذه ومدرسته الاحترام الحقيقي المشوب بالعطف الأبوي يقابله في الوقت نفسه حب بنوي. وفي هذا يقول سعادة حافظ عفيفي باشا في كتابه على هامش السياسة (إما أسباب هذه الفوضى فهي ترجع إلى عدم تنفيذ القوانين المتعلقة بنظام المدارس تنفيذاً لا استثناء فيه. والى تركيز كل السلطة في وزير المعارف نفسه والى أخذ التلاميذ بسياسة مضطربة، فهي الشدة المتناهية أحياناً واللين