وجه حضرة الأستاذ عدنان سؤالاً على صفحات الرسالة الغراء بالعدد (٩١٥) بمناسبة مقالي عن (الخمر بين الطب والإسلام) يقول فيه أنه جاء في هذا المقال (وإذا اطلعتم على إحصائيات شركات التأمين على الحياة وجدتم أن استعمال الخمر ولو بمقدار متوسط يقصر العمر) ثم يقول كيف يمكن التوفيق بين إحصائيات شركات التأمين على الحياة وقول الله تعالى (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلا) وقوله جل شأنه (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون).
وقد أوجزت (الرسالة) رداً بليغاً، بقول الله تعالى (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب) وأنا أجيب حضرة السائل فأقول:
ما من شيء في هذه الحياة الدنيا إلا وقد بأسباب، فلم يقدر مجرداً عن سببه ولكن قدر بسببه. فمتى أتى الإنسان بالسبب وقع المقدور، ومن لم يأت بالسبب انتفى المقدور وهكذا كما قدر الشبع والري بالأكل والشرب، وقدر إنجاب الأولاد بالزواج وقدر دخول الجنة بالأعمال ودخول النار بالأعمال (كما جاء في الجواب الشافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن قيم الجوزية) فكذلك قدر على شارب الخمر من الأزل إتلاف صحته سريعاً ثم يقضى في عمر قصير كتبه الله عليه في اللوح المحفوظ (وكل شيء أحصيناه كتابا).
أرأيت إلى من يدهسه (ترام) مثلاً فيموت هل قصر عمره أم ذاك كان في كتاب مسجل في برنامج الوجود؟
أرأيت إلى من يرمي نفسه من حالق فيقضى، هل قصر عمره أم ذاك أجله وافاه. فالمقتول والمنتحر كل منهما ميت بأجله الذي علم الله وقوعه وسبب وزمانه ومكانه. وكذلك شارب الخمر ميت بأجله الذي قدره الله له، فكل الأشياء مرسومة قبل أن يوجد الإنسان.
إذاً لم تكن الخمر سبباً في إنقاص أجل طويل فلكل أجل كتاب، ولكنها سبب لتقدير أجل قصير قدره الله من الأزل وقد أخرج مسلم عن جابر أن سراقة بن مالك بن جعشم قال يا رسول الله بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن فيم العمل أفيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير أم فيما يستقبل؟ قال ففيم العمل قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له وكل عامل بعمله).