للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[تحية البطلين]

للأستاذ على الطنطاوي

إلى البطلين العربيين اللذين أعلما أهل الأرض أن في الوجود شيئاً أقوى من الحديد، وأمضى من السيف، وأحمى من النار وأنكى من القنبلة الذرية، هو الإيمان.

اللذين تخلفا عن بدر والقادسية واليرموك ليطلعا في الغوطة ونابلس والريف، فيكتبا بالدم على جبهة الثرى، أن العزيز لا يذل وسليل من حكموا الدنيا لا يحكمه في بلاده أجنبي ولا غاصب.

اللذين أثبتا للعالمين أن العرب الذين سادوا في أول الدهر سيسودون في آخره.

إلى القائدين العبقريين: عبد الكريم الخطابي وفوزي القاوقجي

تقدي الأدب للبطول، وتحية القلم للحسام

أما عبد الكريم فلم أره ولا أحب أن أراه لتبقى له في نفسي هذه الصورة العلوية الخالدة، لا تفسدها معالم اللحم والدم في الإنسان الذي يأكل كما يأكل الناس ويشرب، ويرضى ويغضب ويجد ويلعب، وليكون اسمه أبداً في ذاكرتي مع أسماء العباقرة الخالدين، القادة السادة الهداة، خالد وعمرو وقتيبة وابن القاسم وابن نافع وطارق، الذين أفاضوا على الحرب الحق والرفق فجعلوها مقدسة مشروعة، وأثاروها لله لا للكسب، وللخير لا للشر، فاستولدوها الحياة والحضارة والسلام، وما كانت تلد إلا الموت والخراب والانتقام.

وأما فوزي فقد عرفته في بغداد، قبل أن تعرف بغداد بطولته ويشهد العراق عبقريته. فكنت أزوره في داره في الكرادة أنا وأنور العطار ويزورنا في مثوانا في الفندق، وأضرب معه في آفاق الأحاديث، وأراه مسترسلا على سجيته، منطلقاً مع طبيعته، وأتحرى خلائقه، وأتقرى سلائقه، فأراه يعلو في نظري إن طالما نزلت الخلطة بالرجال، ويكبر إن صغرتهم، وأنا أشهد أني لم ألق في عمري من (الرجال)، وقد قاربت الأربعين، وقد سكنت الشام والعراق ومصر والحجاز إلا (رجالاً) لا يشغل عدهم أصابع اليدين وأشهد أن من أكملهم رجولة، وأفتاهم فتوة، وأظهرهم قوة، في جسمه وعقله وقلبه وضميره: فوزي القاوقجي.

عظيمان جهلاً نفسيهما، فحسبا أنهما اثنان من الناس خلقاً ليعيشا كما يعيش الناس ويموتا

<<  <  ج:
ص:  >  >>